صالح الحمداني - مدونات إرفع صوتك

بقلم صالح الحمداني:

زمان جداً، منذ أربع آلاف عام تقريباً، كانت المخدرات تسمى (بوبيا). والبوبيا هذه هي الثمرة التي كان يستخرج منها المخدر وقتئذ. والبوبيا - في اللغة السومرية ربما - تعني السعادة.

وكان الناس وقتئذ - أيضاً - يستخدمونها للحصول على الراحة من الآلام الشديدة لبعض المرضى. لكن حتماً كان هناك من يستخدمها للحصول على (المزاج)، أو الاندفاع خارج التغطية.

والمخدرات - لمن لا يعرفها - أشكال وأنواع، منها الطبيعي: مثل الخشخاش (يستخرج منه الأفيون)، والقنب الهندي (يستخرج منه الحشيش)، إضافة إلى القات والكوكا. أما المورفين والهيروين والكوكائين، فتعتبر مخدرات مصنعة. وهناك مخدرات كيميائية، هي عبارة عن: مهدئات ومنشطات ومهلوسات.

أسباب انتشار المخدرات في المجتمع العراقي عديدة، منها النفسية ومنها الاجتماعية ومنها الاقتصادية. ولعل أكثر طرق تعاطي المخدرات انتشاراً في العراق هي ما يعرف بـ(الكبسلة). ولذلك يقال "فلان مكبسل". وإذا غضب منك أحدهم قد يقول لك ممتعضاً: شنو إنت مكبسل! ويلقب المتعاطي بـ"فلان كبسله". و(الكبسول) المقصود غالباً ما يكون أدوية تستخدم للأغراض الطبية لتهدئة التهيجات العصبية والأوجاع التي يعاني منها المرضى بشكل عام. لكن تعاطيها من قبل الأصحاء - وبكميات معينة - تسبب لهم نشوة، ويعتادون عليها، فيدمنون.

ومن المؤكد أن تسرب الأدوية من المستشفيات والمستوصفات ومذاخر الأدوية أسهم كثيراً في انتشار وتعاطي هذا النوع من المخدرات.

في العراق أمست المخدرات واحدة من طرق الموت العديدة التي تستهدف الشباب. وهي في ذات الوقت طريقة سريعة للربح وتضاعف الثروات بالنسبة للتجار والمهربين. ولى العهد الذي كان فيه العراق مجرد محطة ترانزيت لتهريب المخدرات. فقد "ارتقى" - بفضل الفوضى وتقاعس الحكومة - وتحول إلى منطقة توزيع وتهريب، وكثر المتعاطون وخاصة من فئة الشباب والأطفال.

الحدود المنفلتة والفساد، جعلت من عصابات المخدرات الإيرانية والأفغانية ومن آسيا الوسطى نشطة في جنوب ووسط العراق. ولذلك فلا بد للحكومة العراقية من وقفة أمنية وتشريعية وصحية للقضاء على هذه الآفة التي ستدمر المجتمع العراقي تمام، وتفكك الأسر. ولا بد لها أيضاً من الانتباه إلى عدد تجار المخدرات المتزايد يوماً بعد آخر، وبخاصة في بعض المناطق الحدودية، ومن عشائر بعينها. كما لا يفوتنا التذكير - إن نفعت الذكرى - بالبحبوحة التي يعيش فيها (بعض) رجال الأمن العاملين في مجال مكافحة المخدرات

في أمان الله!

 

عن الكاتب: صالح الحمداني، كاتب رأي ساخر وناشط من العراق. له العديد من  المساهمات الإعلامية التي تتمحور في مجالات السياسة والمجتمع المدني. كتب لعدة صحف عراقية يومية مهمة مثل جريدتي “الصباح” و”المدى”، فضلاً عن موقع “كتابات” الالكتروني وجريدة “العالم” المستقلة وموقع “واي نيوز” و “الغد برس”. له عمود أسبوعي في موقع جورنال الإخباري. وهو معد لبرنامج إذاعي يبث من إذاعة محلية بمحافظة كربلاء.

لمتابعة صالح الحمداني على تويتر، إضغط هنا. وعلى فيسبوك إضغط هنا.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.