بقلم خالد الغالي:
"جاؤوا إلى بيتي، وأخبروني أنهم سيزوجونني لواحد منهم. أجبتهم بأنني متزوجة، وأن زوجي مخطوف لديهم منذ ثلاثة أشهر"، تتذكر أم فارس يوم جاء مقاتلون من داعش إلى بيتها في مدينة الموصل، شمال العراق، لإخبارها بقرار تزويجها لأحد أفراد التنظيم.
كان ذلك في أبريل/نيسان 2015، حين منح عناصر التنظيم الإرهابي للشابة العراقية، ذات الـ29 سنة، أسبوعا للموافقة وإلا فإنهم سيزوجونها غصبا، حسب ما تقول. "عندها قررت الهرب. كنت أفكر في ذلك منذ اختطاف زوجي، دون أجد المال الكافي، لكن مجيء هؤلاء المقاتلين جعلني أحسم أمري"، تضيف أم فارس لموقع (إرفع صوتك).
الهروب الكبير
سيطر تنظيم على داعش على مدينة الموصل (شمال العراق)، في حزيران/يونيو 2014. وكان يمنح في البداية تراخيص مؤقتة للمرضى بمغادرة المدينة مقابل التعهد بالعودة وتقديم ضمانات (سندات أملاك، تعهد من كفيل يتحمل العقوبة في حال عدم العودة... الخ)، إلا أنه عدل عن ذلك بعد تنامي عمليات الفرار.
دفع قرار داعش الجديد كثيرا من الموصليين إلى خوض مغامرة الفرار من المدينة، فانتعشت تجارة التهريب رغم خطورة الرحلة التي يمكن تؤدي إلى الموت في حالة السقوط في يد دوريات التنظيم.
"لم أنتظر عودة رجال داعش، حملت أطفالي الثلاثة، واتفقت صحبة أربع عائلات مع قجقجي ( وتعني ’مُهرّب‘ باللهجة العراقية) لتهريبنا إلى سورية. وتمكنت من الوصول إلى مخيم الهول في الحسكة (شمال شرق سورية)"، تقول أم فارس التي عادت إلى العراق للعيش في مخيم دهوك، في إقليم كردستان.
يكلف الهروب من الموصل أموالا باهضة. تكشف أم فارس أن "القجقجي" أخذ منها وأطفالها الثلاثة "35 ورقة"، أي حوالي 3500 دولار.
ويطلق العراقيون على الأوراق النقدية من 100 دولار كلمة "ورقة".
"طالبني في الأول بـ45 ورقة، لكني قلت له إنني لا أستطيع دفع هذا المبلغ، فأنا بدون زوج"، توضح أم فارس لموقع (إرفع صوتك) عبر اتصال هاتفي. في المقابل، دفعت العائلات الأربع الأخرى مبالغ تتراوح بين 45 و65، حسب عدد أفراد العائلة.
"الأرض الحرام"
كادت الرحلة تتحول إلى مأساة. "لحق بنا الدواعش بعد ربع ساعة من الوصول إلى طريق الموصل. لكننا فررنا حتى وصلنا إلى الأرض الحرام". تقصد أم فارس بـ"الأرض الحرام" منطقة فاصلة بين الأطراف المتحاربة. وتضيف "من اليمين كان الدواعش ومن اليسار اليبكا (YPG، وحدات حماية الشعب الكردية)".
كانت المنطقة العازلة أشبه بالمخيم، تقصدها العائلات الهاربة. "ظللنا بالمنطقة ستة أيام. بالنهار الشمس، وبالليل البرد. البسكويت والشربت (عصير) الذي كان معنا انتهى بعد يومين. كان هناك شخص سوري يأتي ويبيع لنا الماء بـ15 ألف دينار (12 دولار تقريبا) والأكل بـ7000 دينار".
لم تكن "الأرض الحرام" خاضعة للحماية، لذا كانت عرضة للهجوم في أية لحظة. "بعد أيام من وصولنا، هجم الدواعش وقتلوا أفرادا من ثلاث عائلات". إثر ذلك، ساعد مقاتلون من وحدات حماية الشعب عددا من العائلات على العبور إلى مخيم الهول فوق الأراضي السورية.
الزوج الغائب
"زوجي صار له سنتين عند داعش. لا أعلم عنه شيئا منذ 19 شباط/فبراير 2015. طلع من البيت وما رجع"، تقول أم فارس. يبلغ زوج أم فارس من العمر 39 سنة، وهو منتسب سابق للجيش العراقي. وشرع داعش بعد سيطرته على الموصل في احتجاز أفراد الشرطة والجيش العراقيين.
لم تدخر أم فارس جهدا في البحث عن زوجها، وتوجهت إلى الدوائر الأمنية التي أحدثها داعش. وكانت تحصل في كل مرة على إجابة واحدة: "روحي (عودي إلى بيتك)، تقبّله الله". وإلى اليوم لا تعلم الشابة العراقية عن زوجها شيئا.
ترجح أم فارس أن تنظيم داعش قتل ابن عمها أيضا، وهو بدوره منتسب للجيش. "جاء مقاتلون إلى البيت وأخذوه معهم. لم يعطونا أية معلومة عنه بعدها، كما لم يسلمونا جثة، ولم يخبرونا حتى إذا كان ما زال حيا أم لا".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659