حين تفشل الدولة يتراجع السلم المجتمعي/وكالة الصحافة الفرنسية
حين تفشل الدولة يتراجع السلم المجتمعي/وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم علي عبد الأمير:

يرى باحثون أن العنف في العراق استند على بعض الظواهر الاجتماعية، فيما يرى بعض الكتاب والمحللين أن العنف صناعة في حقيقته، وأن السياسة كأحزاب وشخصيات قيادية ساهمت في ترسيخ العنف كممارسة ملازمة للسلطة.

ويتفق ثلاثة كتاب وباحثون وناشطون عراقيون، تحدثوا إلى موقع (إرفع صوتك) على أنّ الظواهر الإجتماعية المشجعة على العنف في بلادهم يمكن إجمالها في ما يلي:

أولا: سيادة أفكار اجتماعية تمجّد القوة وليس القانون، وتكرّم القوي حتى لو كان غاشما.

ثانيا: صعود مؤسسات دينية – طائفية أصبحت أقوى من الدولة، وهو ما حرض على استخدام العنف في الصراع.

ثالثا: صعود الهويات الفرعية وهيمنتها على المجتمع، مثل الهويات القبائلية والعشائرية المشجعة على التعصب.

رابعا: ثقافة الانتقام، فجماعة عراقية كانت مضطهدة على يد جماعة أخرى سعت عبر قياداتها السياسية والدينية إلى الانتقام من مضطهديها، وهو ما أدخل البلاد في سلسلة أعمال انتقامية.

خامسا: فشل الدولة العراقية في التحول التدريجي من الدكتاتورية إلى الديموقراطية سهّل ثقافة احتقار الدولة والقانون وإشاعة نهب المال العام، وبالتالي كل أشكال العنف.

مجتمعات العنف؟

ويرى الباحث العراقي في علم الاجتماع عبد الرزاق علي أن هناك ما يُعرّف "مجتمعات العنف" بأنها التي تعاني "العجز والفشل في إنتاج نسق الدولة الحديثة المؤسسية"، مؤكدا في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) غياب وسائل "خفض وتائر العنف الأسبق عبر سياسات رشيدة قادرة على التعاطي مع هذا العنف من منظورات علمية وتاريخية، وتحديدا في إشكاليات السلطة والثروة والاقتصاد والثقافة".

ويصف علي العراق على أنّه "نموذج جلي وصارخ لاستمرار وتصاعد وتيرة العنف من الحكم الدكتاتوري إلى شكل جديد قائم على مقولات مجردة للتعدد والتنوع و –دمقرطة- نسق السلطة ونقل الاقتصاد إلى بيئة مغايرة ومحاولة إعادة صياغة البنى اجتماعية لتمثل هذه النموذج".

ويشير إلى أنه "رغم هذه الشعارات، إلا أن الواقع قد قدم وتائر عنف غير مسبوقة".

الهويات الفرعية القاتلة

وعن التحولات العاصفة في العراق بوصفها "فرصة مناسبة أمام عوامل عدة لعبت كبيرا فيما بعد في تغذية التطرف، ولعل أبرزها صعود الخطاب الديني، إذ أسهم المنبر الديني في تقويض السلام المجتمعي عبر شحن عقول الشباب والعمل على تأجيج الخلاف الطائفي بين المذاهب والأديان"، بحسب الصحافي والناشط المدني حسين العسلاوي الذي يؤكد لموقعنا أن نمو الخلاف الديني يعد "أهم عامل اجتماعي في تفتت المشتركات الوطنية وتهديد السلم المجتمعي والروابط الثقافية".

ويضيف العسلاوي أن صعود الهويات الفرعية وهيمنتها على المجتمع مثل الهويات القبائلية والعشائرية، غذّى العنف ومد الأفراد والجماعات بقوة تزامنت مع ضعف الدولة أو غيابها.

ويكاد يمسك العسلاوي بنبض لحظة عراقية تنتقد الأحزاب السياسية والحركات الدينية والجماعات المسلحة التابعة لها، كونها "تعمل على تصفية الخصوم بطرق مختلفة مدفوعة بأوهام دينية، وهذه الحركات المسلحة شكّلت خطرا على الدولة بشكل كبير وليس فقط على المجتمع، ولما للدين من تأثير عميق في المجتمع، لذا بدا نهج الأحزاب الدينية قويا في تأثيراته لا سيما بعد نفوذها المتعاظم في مؤسسات الدولة، فأصبح نهج العنف الذي تعتمده أقرب إلى أن يكون نهج الدولة".

العشيرة تتقدم.. المواطنة تتراجع

ويكاد العسلاوي يتفق مع ما يذهب إليه الكاتب والصحافي والناشط في مجال حقوق الإنسان مصطفى سعدون، الذي يرى أن "العنف لا يقتصر على الإسلاميين فقط، بل أن في المجتمع العراقي ظواهر عدة أنتجت التطرف، منها القبلية المبنية على أساس نصرة المقرب وإن كان على باطل (انصر أخاك ظالماً أم مظلوماً)، وغياب المواطنة التي تحتوي الجميع في هوية واحدة".

وفي حديثه إلى موقع (إرفع صوتك)، يضيف سعدون أن "التخندق في انتماءات قبلية ومذهبية ودينية وحزبية، يساعد على نمو التطرف، لأن الأدبيات التي تعتمدها تلك الجماعات مبنية على إلغاء الآخر المختلف. وبهذا خُلق التطرف من قبل جماعة على حساب جماعة أخرى. وبمجتمع مثل العراق جميعنا يشاهد كيف أن التطرف يساعد على نمو تطرف لدى جماعة كانت مضطهدة على يد جماعات أخرى".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.