نازحون عراقيون فارون من مناطق سيطر عليها تنظيم داعش/وكالة الصحافة الفرنسية
نازحون عراقيون فارون من مناطق سيطر عليها تنظيم داعش/وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم إلسي مِلكونيان

يعقد صندوق إعمار المناطق المحررة في العراق اجتماعاته خلال شهر كانون الثاني/يناير 2017، مع جهات مانحة كالبنك الدولي لمناقشة المشاريع التي ينوي تمويلها، وبخاصة في المناطق المحررة من داعش.

وهذه ليست المرة الأولى التي تبذل فيها السلطات جهداً لإعادة الإعمار. فهناك توجه للحصول على قروض إضافية لإعادة تشغيل كافة القطاعات وخلق فرص العمل والقضاء على المشاكل التي كان العراقيون يعانون منها في ظل داعش، مما أدى إلى تغلغل أفكار التطرف والإرهاب.

لكن هناك من يتحدث عن ضرورة تجنب "أخطاء ارتكبت من قبل الحكومات" في المراحل التي سبقت داعش وأسهمت بتصاعد حالات التطرّف التي بتنا نراها اليوم، بحيث لا تتكرر وتؤثر سلباً على العائدين إلى بيوتهم في المناطق المحررة بشكل خاص، وفي كامل المدن العراقية عامة.

ومن هذه الأخطاء:  

1-مشكلة الانتماء:

قد تكون إدارة التعددية الحزبية في العراق من أبرز التحديات التي تفرض نفسها على المجتمعات في المناطق المحررة. وتعتبر هذه القضية تحدياً لأنها أدّت إلى تطرّف وتهميش وتصنيف الشباب إلى "منتم ولا منتم" في السنوات السابقة، حسب توضيح الأكاديمية والباحثة في شؤون المجتمع ندى العابدي لموقع (إرفع صوتك).

وتقول "لم يحسن المجتمع العراقي التعامل مع قضية تعددية الأحزاب. فقد تحوّل التنافس السياسي إلى تنافس عدائي لأن هذه الأحزاب حملت أجندات موالية لدول إقليمية. فتم تنصيب الأشخاص غير المناسبين في أماكن غير صحيحة، ممّا أدى إلى تهميش أصحاب الكفاءات والشهادات الذين لم يكونوا موالين لأحد بينما وزعت الفرص على أساس المحسوبية والمنسوبية".

2-إضعاف شأن المرأة

وتفيد دراسات حول تركيبة المجتمع العراقي بأن العشائر تشكل مكوناً أساسياً من مكونات المجتمع، تراجعت قوتها تارة وتمتعت بسلطة أوسع تارة أخرة حسب السياسات التي أتبعتها الحكومات المتعاقبة على مر السنين. لكن يبدو أن المرأة كانت غالباً من الفئة المستضعفة أثناء جميع هذه الفترات.

تقول ندى "المجتمع العراقي هو مجتمع عشائري يعتمد على الأعراف والتقاليد والتي تفوق سلطتها أحياناً سلطة القانون. وفي مجتمعات كهذه تدفع المرأة دوماً ثمن أخطاء الرجل بسبب التطرف بطريقة أو بأخرى، فقد تتعرض المرأة إلى الابتزاز والتهميش إلى جانب افتقارها للفرص والتمكين الاقتصادي وربما يتم دفعها ذلك نحو العنف".

وللقضاء على التطرف ضد المرأة في المرحلة القادمة يجب على صوت القانون أن يعلو فوق صوت العشيرة وأن يبنى على أساس العدالة الاجتماعية لكي تمنح المرأة فرصاً وتكون فاعلة في المجتمع بشكل أكبر، حسب ندى.

3-إستفحال المشكلات الاقتصادية

تقدّر مواقع صحافية أنّ معدل البطالة في العراق حسب الإحصائيات الأخيرة قد وصل إلى 30 في المئة في عام 2016. 

ويرى خبراء أن هذه النسبة هي نتيجة أخطاء تراكمية بدأت منذ أواخر الثمانينات، لأن الحكومات المتعاقبة لم تتوجه لحل أي من هذه المشاكل، ما أدى إلى تفاقمها ودفع الناس إلى التطرف والإرهاب.

يقول الخبير الاقتصادي هلال الطعان، مدير قسم المصارف في وزارة المالية العراقية لموقع (إرفع صوتك) أن "مشكلة البطالة الحالية تعود إلى عام 1978 حيث كان يتم قبول الطلاب في الجامعات دون دراسة حاجة السوق لمؤهلاتهم، فكان القبول يتم بشكل مركزي، أي على مجموع الطالب في الشهادة الثانوية كأساس لدخول الجامعة. وتلا ذلك مرحلة الحصار في التسعينات وتهاوي الدينار العراقي أمام الدولار".

ويذهب الخبير العراقي إلى أبعد من ذلك فيحلل أن للبطالة تأثيراً كبيراً على الشباب "لأنهم لم يعودوا قادرين على تأمين متطلبات حياتهم الأساسية، أسوة بأقرانهم في البلدان الأخرى"، فدفعهم الإحباط إلى العدوانية والتطرف، حسب تعبيره.

ويعتقد هلال أيضاً أن فترة الإعمار تتطلب مساهمة فاعلة من الحكومة ومن منظمات المجتمع المدني لإعادة توزيع الفرص على الشباب ودفعهم للبدء بمشاريع صغيرة للحصول على رزقهم وبذلك يتم إنقاذ هذه الفئة من الإحباط والأفكار المتطرفة.

4-إهمال منظمات المجتمع المدني

تنشط حالياً في العراق العديد من منظمات المجتمع المدني والتي تعمل في قطاعات المجتمع المختلفة وقد يؤدي دعم هذه المنظمات إلى ربطها بالأمور المفيدة لمجتمعاتها وإبعادها عن التطرف، حسبما يقوله زهير ضياء الدين المحامي والحقوقي لموقع (إرفع صوتك).

يقول زهير من تجربته ورؤيته لعمل المنظمات "إن عمل منظمات المجتمع المدني يحتاج إلى دعم كبير من الدولة لتكون فاعلة بشكل أكبر. لكن مع الأسف هناك قصور في الدعم الحكومي المتمثل بدائرة المنظمات غير الحكومية. وتمكينها ضروري لتصبح قادرة على القيام بدورها بالشكل المطلوب".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.