بقلم علي قيس:
بات دور العشيرة و القبيلة متعاظما في المجتمع العراقي، حين تراجعت قوة الدولة بسبب الحروب وتأثيرات الحصار الدولي على البلاد منذ نحو ربع قرن. فاستعان كثير من أبناء المناطق الريفية بمرجعيتهم العشائرية لحل نزاعات والبت بأحقيتهم في المصالح والحقوق.
ويرى باحثون اجتماعيون وكتّاب أن انهيار الدولة العراقية كليا بعد العام 2003 أوجد الحاجة إلى ضمانة لفئات اجتماعية حتى من بين الذين ما كانوا يعترفون بسلطة العشيرة.
واليوم لا يكاد يمر شهر إلا وتشهد مناطق عراقية نزاعاً عشائرياً جديداً أو تجدد نزاع قديم. وعادة ما يشهد ذلك استخداما واسعا للسلاح يسفر عنه سقوط أعداد غير قليلة من القتلى و الجرحى.
وفي محافظة البصرة (جنوب العراق)، أعلنت الحكومة المحلية مؤخرا عن اجراءات تأمل في القضاء على النزاعات العشائرية، التي شهدت تصاعدا مع بداية العام الحالي.
وثمة من يربط بين زيادة نفوذ العشائر وتصاعد وتائر التطرف بين فئات المجتمع العراقي.
تجارة المخدرات وغنى العشائر؟
وبحسب رئيس اللجنة العليا لحل النزاعات العشائرية في البصرة، يعرب المحمداوي، فإن سهولة الحصول على الأسلحة من قبل العشيرة وتجارة المخدرات والإمكانيات الاقتصادية للعشائر التي تمكنها من شراء الأسلحة المتوسطة تعبر عن النفوذ السياسي الذي تتمتع به بعض العشائر، بالإضافة إلى الحرمان وإهمال الخدمات والبطالة المنتشرة في المناطق التي تشهد نزاعات عشائرية.
وتشمل إجراءات حكومة البصرة ترحيل أفراد العشيرة الذين تتكرر نزاعاتهم من مناطقهم الحالية وعزلهم في مناطق أخرى، إضافة الى مصادرة الأسلحة المستخدمة في النزاعات. إلا أن الحكومة المحلية لم تلجأ عملياً الى تطبيق تلك الإجراءات حتى الآن.
وأوضح المحمداوي في حديث لموقع (إرفع صوتك) "العشائر اليوم بحاجة إلى تهذيب أعرافها التي باتت تؤدي إلى تفاقم العنف والقتل، فالمواثيق العشائرية كالفصل (الدية) والعطوة (مهلة زمنية تعطى للجاني) أصبحت غير مجدية ولا يوجد التزام بها"، مضيفا "التهذيب لا يأتي بقرار سياسي أو حكومي لأن القبيلة منظومة تخضع لقادة مجتمعها".
ويتابع المحمداوي أن التفكير بحلول آنية للصراعات العشائرية والمتمثلة بتطويق مناطق النزاع من قبل الجيش هي مشكلة بحد ذاتها، موضحا أن "الجيش العراقي يقوم بدوره بتطويق مناطق النزاع لكن في الحقيقة هذا ليس دوره، الحل بتوحيد الجهود المدنية للحكومة ومنظمات المجتمع المدني والجهات المؤثرة في المجتمع كوسائل الإعلام ورجال الدين في تثقيف الناس وتمكينهم على استخدام لغة الحوار".
وحيث يؤكد رئيس لجنة حل النزاعات العشائرية أن العنف العشائري لم يعد مقتصرا على محافظة البصرة بل بات منتشرا في معظم المحافظات الأخرى، يحذر في الوقت ذاته من أن "تتحول الأنبار ونينوى بعد اكتمال عمليات التحرير إلى مناطق نزاعات مسلحة، بسبب تورط الكثير من أبناء عشائر تلك المناطق ممن انتموا إلى تنظيم داعش بعمليات القتل ضد أبناء عشائر أخرى".
العشيرة والقانون العام للدولة؟
بدورها، تقول أستاذة العلوم الإنسانية في كلية تربية ابن رشد في جامعة بغداد ناز السندي، إن "ما يحصل في البصرة يمكن أن يحصل في محافظة أخرى وأن يتكرر أكثر من مرة في حال بقيت العشيرة بعيدة عن القانون والدولة"، مضيفة في حديث لموقع (إرفع صوتك) "عندما تتعارض أدوار العشيرة مع قوانين الدولة ستكون هناك مشكلة، فسيطرة العشيرة على أفكار أبنائها تنتج جيلا لا يحترم أي قانون سوى قانون العشيرة، الذي يلتزم بأعراف خاطئة".
وتتابع السندي بقولها إن "ما تفرضه العشيرة أصبح بعيدا عن الواقع الاجتماعي الذي ينظمه القانون العام للدولة".
وتشير أستاذة العلوم الإنسانية إلى أن دور العشيرة يجب أن يتماشى مع المجتمع وتطوراته فـ "لا يمكن أن يعيش الإنسان مستقبلا بنفس التفكير الذي كان عليه سابقا"، مضيفة " العقل يتطور مع التطور التكنولوجي، ولا يمكن أن نبقى بنفس التفكير، وما يمكن أن تسيطر عليه العشيرة اليوم من بعض القيم، لا يمكن القبول به كنظام للسيطرة على كل التفاصيل في حياة أفرادها وعلى الدوام".
الشيوخ يدافعون
ولا يقر شيوخ عشائر بالقول في صعود القيم العشائرية كمؤشر على صعود قيم التطرّف الاجتماعي. وفي هذا الصدد يقول الشيخ كريم البيضاني، شيخ عموم عشيرة البيضان في العراق، إن الحديث عن تصاعد العنف بسبب الأعراف العشائرية كلام مبالغ فيه، موضحا في حديث لموقع (إرفع صوتك) أن "دور العشيرة منذ القدم الحفاظ على استقرار المجتمع، والدليل بعد أحداث السقوط عام 2003، وعندما كانت الدولة غائبة تماما، لعبت العشيرة دورا مهما في مسك زمام الأمور".
ويتابع "تحصل هفوات في كل المجتمعات سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وما يحصل اليوم في المجتمع من نزاعات هي هفوات لبعض العشائر لا يمكن تعميمها على الجميع".
ويزداد انتشار السلاح العشائري في المناطق الريفية بسبب حاجة أبناء تلك المناطق إلى حماية أراضيهم وثرواتهم الحيوانية، بحسب البيضاني الذي يؤكد أن "حمل السلاح لا يعني حق الهجوم على الآخرين ومخالفة القانون".
ويختتم حديثه بالقول "إذا خالفت العشيرة قوانين الدولة فعلى البلد السلام. ولا يمكن للعشيرة أن تخالف المرجعية الدينية أو قانون الدولة"، غير أن ما يشير إليه البيضاني من إذعان العشائر لقانون الدولة، يتعارض مع حالات كثيرة لرفض عشائر في البصرة طلبات من الحكومة الاتحادية ببغداد لوقف الاشتباكات التي دارت رحاها على مدار مناطق واسعة من شمال المحافظة، مما أدى الى قيام رئيس الوزراء حيدر العبادي ولأكثر من مرة بارسال قوات عسكرية للتدخل بالقوة من أجل إنهاء تلك النزاعات وفرض القانون.
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659