عراقية شرق الموصل/وكالة الصحافة الفرنسية
عراقية شرق الموصل/وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم إلسي مِلكونيان

"عندما ذهبت لإكمال دراستي الجامعية في فرنسا في أوائل الستينيات، لم أشعر يوماً أن الآخرين ينظرون لي بنظرة دونية أو متطرفة لأي سبب من الأسباب. مفهوم التطرف لم يكن موجوداً في العالم كله آنذاك".

هكذا تحكي الباحثة الاجتماعية العراقية فوزية العطية لموقع (إرفع صوتك) تجربتها الشخصية مع مفاهيم التطرف خلال دراستها في الخارج.

وتتابع "أما الآن فالوضع مختلف. فقد أصبحت معظم المجتمعات العربية تعاني من التطرف والعنف والإرهاب. فهناك تمييز على أساس مذهبي واجتماعي. كما انتشرت أيضاً سياسية الإقصاء التي مورست من قبل بعض الأنظمة السياسية". فكيف انتشر التطرف إذن في المجتمعات العربية وماذا يفعل الشباب لمعالجتها؟

التطرف ظاهرة دخيلة

وتضرب فوزية مثلاً حول وضع المجتمع العراقي وظهور مفاهيم التطرف فيما بعد قائلة "في أيام عبد الكريم قاسم مثلاً، لم يكترث الناس بشكل كبير بمذاهب الآخرين إن كانوا سنة أو شيعةً، فكان هناك احترام لثقافة الآخر. أما الآن فقد بات الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم لأربع سنوات مدركين لقضية اختلاف المذاهب ومتطرفين ضد الآخرين المختلفين عنهم".

وترى فوزية أن السبب في ذلك هو "التدخلات الأجنبية أدت إلى تشويه صورة المجتمع العراقي وثقافته".

ما هي مصادر التطرف في المجتمعات العربية؟

وبالتعقيب على تحليل الباحثة الاجتماعية للمجتمعات العربية، أصبح للتطرف أسباب تغذي انتشاره ووجوده في المجتمعات العربية، حسبما أشار متابعو موقع (إرفع صوتك).

ففي سؤال طرحناه على صفحة الموقع على فيسبوك حول المظاهر الاجتماعية والدينية التي تغذي التطرف في الوقت الحاضر أشار المعلقون إلى وجود أسباب عدة.

فهناك من يرى أن من مصادر تغذية التطرف هي "الأقلام الفكرية التي تحالفت مع المال لبث الأفكار المتطرفة وذلك لخدمة لمصالحها الشخصية".

ويرى متابع آخر أن التطرف هو نتيجة لمعاملة "جهاز الأمن للمواطن من سب وشتم وضرب"، بينما ينسب معلق آخر السبب في تغذية التطرف إلى المؤسسة الدينية التي أججت مشاعر "تكفير الآخر".

ويعلق متابع آخر بالقول أن السبب هو "محاولة التزام الكثيرين بالدين وهم بدون علم ديني (صحيح)، و(ساهم) نشرهم للفتاوى المتعصبة والمغالاة في الدين إلى نشر التطرف بشكل أسرع وأكبر". 

وفي الأعوام الأخيرة، ساعد انتشار الأفكار المتطرفة في المجتمعات على تغلغل الجماعات المتشددة في بلدان كالعراق وسورية مع أنها لم تكن يوماً تملك تواجداً حقيقياً في هذه البلدان، وأخذت هذه الجماعات من التطرف ذريعة لتتمكن أكثر وتجند الشباب وتقوم بعمليات إرهابية، حسبما أفاد به تحليل نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.

للشباب دور فاعل في القضاء على التطرف

ومع انتشار الأفكار المتطرفة في مختلف الدول العربية، برز هناك توجه مضاد يقوم به الشباب لنبذ الأفكار المتطرفة ومظاهرها. 

ويؤكد شمخي جبر، وهو ناشط مدني وحقوقي لموقع (إرفع صوتك) وجود حراك شبابي في العراق أيضاً كما في سائر الدول العربية، من خلال مبادرات ومنظمات مجتمع مدني وحتى مبادرات من قبل "وسائل إعلام معتدلة غير تابعة لأي حزب من أحزاب الإسلام السياسي (والتي عملت على تغذية التطرف)".

ولكن يرى شمخي في تقييمه للمجهود الشبابي حالياً أنه غير كاف لأنه بحاجة إلى دعم أكبر من الفئات السياسية الحاكمة في الدول العربية والمنظمات الدولية المعنية. 

كما يشير إلى استمرار التدخلات من قبل دول خارجية كدول الجوار العراقي لدعم الأفكار المتطرفة وتأجيجها بين فئات المجتمع المختلفة، مما يحد من قدرة هذه المبادرات والمنظمات على التأثير بشكل فعال.

ولزيادة فاعلية دور الشباب في إبعاد الأفكار المتطرفة عن مجتمعاتهم، يشترك كل من العطية وجبر على وجوب تفعيل دور المؤسسات التعليمية لمواجهة التطرف، لأنها المؤثر الأكبر في عقول الطلاب، كالجامعات مثلاً، باعتبارها تضم أكبر عدد من الطلبة، وبوجوب تفعيل أنشطة خارج قاعات الدرس لتمكين الشباب ومساعدتهم في عملهم.

كما ينصح العطية وجبر بتشكيل لجان من مكونة من اختصاصيين لوضع خطط مناسبة ترتكز على أسس صحيحة لمعالجة الأمراض الاجتماعية التي أدت إلى انتشار الأفكار المتطرفة.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.