شاب عراقي في إحدى التظاهرات/ وكالة الصحافة الفرنسية
شاب عراقي في إحدى التظاهرات/ وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم علي قيس:

هناك من يرى أن التغييرات السياسية المتسارعة في العراق بعد عام 2003 أدت إلى صعود أحزاب وتيارات استثمرت خطابها الديني-الطائفي من أجل فرض سيطرتها على مقاليد السلطة في البلاد. وهو ما انعكس على التركيبة المجتمعية، حيث وجدت الطوائف المتنوعة في أجواء الديموقراطية فرصة للتعبير عن هوياتها الفرعية، مؤديا بالبعض لنقل الصراعات السياسية إلى مجال صراع الهويات الطائفية والقومية. وهو ما نتجت عنه أشكال مختلفة من التشدد والتطرّف الفكري في البلاد.

وعن هذه الصلة بين العمل الحزبي والتطرّف الفكري الذي انعكس في الأداء الحكومي، يقول الصحافي والناشط أحمد عبد الحسين، "هناك قرارات وسلوكيات تصدر عن الحكومة تزيد من التطرّف والتضييق على حريات المواطنين وهذا الشيء واضح"، مضيفا في حديث لموقع (إرفع صوتك) "بل إن التطرّف واضح بشكل جلي في الممارسات السياسية، بمجرد بناء العملية السياسية على أساس التقسيم الطائفي".

قد تصل البلاد إلى القاع؟

ويرى عبد الحسين أن الحكومة كان لها دور في رفد الفكر الطائفي، موضحا "الحكومة بدأت بترسيخ مفاهيم التطرّف عندما قامت بتقسيم وقطع المناطق والأحياء على أساس الطائفة في خططها الأمنية، كذلك في المناهج الدراسية وممارسة الشعائر الدينية".

ويتابع "النظام السياسي الحاصل الآن من شأنه أن يوصل البلاد إلى القاع، لأن التراضي يتم بين البنية الفوقية للطوائف المتمثل بالقوى السياسية دون الاهتمام بقاعدة الطوائف المتمثلة بالشعب".

وهذه السياسات أدّت بحسب الناشط المدني إلى "تفكك المجتمع العراقي"، موضحا "يوما بعد يوم تتقلص مساحة الحياة المدنية السوية في العراق قياسا بالحياة التي يعيشها أي مواطن في دولة أخرى، وهذا كله يصب في خانة الإرهاب والتطرّف".

ويؤكد عبد الحسين في نهاية حديثه، أن "النظام السياسي القائم على بث الإحتراب داخل المجتمع أمر مقصود، ومن الممكن أن يكون وقودا لحرب طائفية بسبب فعل غير منضبط قد يصدر من أي جانب".

البرلمان وثقافة التطرّف؟

عضوة مجلس النواب شروق العبايجي أكدت من جانبها أن البرلمان العراقي كان له دور أيضا في إشاعة سلوكيات تزيد من ثقافة التطرّف.

وقالت لموقع (إرفع صوتك) إن "هناك قوى سياسية تحاول أن تجعل المجتمع في حالة خوف من أشياء كثيرة وتفرض سيطرتها عن طريق هذه الأمور"، مضيفة "هي تستخدم قضايا الدين والتقاليد والأعراف لتمرير قرارات قاسية على الحريات وتؤثر سلبا على تقبل الآخر".

وتسرد العبايجي أمثلة لتلك القرارات بقولها "ما حدث مع قانون منع الخمر الذي أقحم بطريقة غير دستورية، وكذلك ما حدث مع حقوق القاصرين المسيحيين، حيث أجبروا وفق قانون الأحوال الشخصية على التخلي عن ديانتهم المسيحية لحين بلوغهم سن الرشد".

وتتابع "أحيانا يدفعون (بعض كتل البرلمان) إلى التطرّف عبر الامتناع عن تمرير وتشريع بعض القوانين كالعنف الأسري والتي لها علاقة بحقوق المرأة، بحجة تضاربها مع تعاليم الإسلام، رغم عدم تعارضها أو تضاربها".

وتختتم العبايجي حديثها بالقول "كل هذه السلوكيات والقرارات فيها رسائل إلى المجتمع العراقي بأن البرلمان والحكومة متشددة في قراراتها وتشريعاتها، وهذه الرسائل تشجع بالتالي على التطرّف".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.