طفلة نازحة من الموصل تقف بجوار خيمتها في انتظار اللعب مع صديقاتها/إرفع صوتك
طفلة نازحة من الموصل تقف بجوار خيمتها في انتظار اللعب مع صديقاتها/إرفع صوتك

أربيل - بقلم متين أمين:

لم يعد باستطاعة أسيل يوسف (12 عاما) اللعب مع إخوانها خارج المخيم، فالأوضاع التي شهدتها الموصل خلال أكثر من عامين ونصف من احتلال تنظيم داعش للمدينة والحياة الجديدة في مخيم النزوح تمخضت عنها قيود جديدة لواقع حياة المرأة والفتيات أكثر تشددا مما كانت عليه قبل سيطرة التنظيم على الموصل.

الرعب الذي نشره التنظيم داخل الموصل والقوانين التي فرضها على النساء عوامل أثّرت بشكل كبير على واقع تربية الفتيات فيها بحسب حديث العائلات النازحة منها. تقول أسيل لموقع (إرفع صوتك) "كنت ألبس الخمار والغطاء الثالث والكفوف والجوارب عندما أخرج إلى السوق بصحبة والدتي ووالدي، مسلحو التنظيم كانوا ينتشرون في كل زاوية وينظرون إلينا بتركيز من فوق إلى تحت".

التنظيم أسند معاقبة النساء وتعذيبهن في الموصل إلى الحسبة النسائية (الشرطة الدينية للتنظيم) التي تقودها مسلحات أجنبيات وعرب اللواتي كنّ يجبن مناطق المدينة لاعتقال النساء المخالفات لقوانين داعش وتعذيبهن.

تأثير داعش على التربية

يقول والد أسيل لموقع (إرفع صوتك) "بسبب الظروف التي مرت علينا خلال الفترة الماضية، بدأنا نتشدد أكثر في تربية البنات حفاظا عليهن من مسلحي التنظيم ومن المشاكل"، لكنه يرى أن هذا النمط المتشدد من التربية سيستمر لدى بعض العائلات حتى في المرحلة التي تلي عملية تحرير المدينة بالكامل.

بدوره، يُبين المواطن النازح أبو طيبة الذي لديه ستة أطفال (خمس فتيات وفتى واحد) أن الظروف الحالية توجب التشدد في تربية الفتيات. ويقول لموقع (إرفع صوتك) إنّ الظروف داخل المخيم خاصة تستدعي الحذر، "فهذا المجتمع الجديد يحتضن أشكالا متنوعة من الناس، ونحن نعيش في داخل خيم الواحدة تجاور الأخرى دون وجود باب أو سياج".

ويشرح أنّ هذه الظروف تستوجب "الحرص على الفتاة أكثر من كل شيء، الحرص على تحركها وخروجها".

ويشير النازح إلى أن الاوضاع داخل الموصل قيدت المرأة والرجل على سواء وجعلتهما في سجن دائم. ويوضح بالقول "لزمنا بيوتنا خوفا من داعش".

التنظيم كان يحاسب النساء في الأسواق على الرغم من وجودهن برفقة أزواجهن أو إخوانهن إن خالفن أي من تعليمات اللباس الذي فرضه داعش. وروى المواطن فهد محمد الذي كان يعمل سائق سيارة أجرة في الموصل لموقع (إرفع صوتك) قصة مجموعة من نساء أقاربه الذين اعتقلهم التنظيم.

ويروي أنّه قبل تحرير ناحية القيارة جنوب الموصل بأشهر، حاولت نحو 40 امرأة أن يلتحقن بأزواجهن الموجودين في قضاء مخمور جنوب شرق الموصل الخاضع لسيطرة قوات البيشمركة، فتوجهن من ناحية القيارة مشيا باتجاه مخمور، لكن في الطريق وقعن في كمين مسلحي داعش، فاعتقلوهن ونُقلن إلى الموصل.

وبعد التحقيق، قرر التنظيم تطليقهن من أزواجهن لأنهم بحسب وجهة نظر داعش مرتدين، وتزويجهن من مسلحي التنظيم. وبعد محاولات من ذويهن، قرر التنظيم الإفراج عن كل واحدة منهن مقابل مبلغ 2000 دولار أميركي أي ما يقارب مليونين ونصف مليون دينار عراقي وبالفعل أُفرج عنهن مقابل المال، حسب ما يروي محمد الذي يقول "لهذا كنا نشدد في تربية بناتنا كي لا يقعن بيد داعش".

لكن المواطن عبد القادر الموصلي يؤكد لموقع (إرفع صوتك) أن الموصل تحتاج إلى الإنفتاح والحرية في المرحلة القادمة. ويضيف "عهد داعش وجرائمه ولّى. الموصل بحاجة إلى أن تتنفس وتنفض عنها غبار التشدد والتطرف. والنساء والفتيات الموصليات ذُقن الأمرين في ظل داعش لذا لا حاجة للتطرف في التربية أو التعامل مع الفتاة بل يجب أن نثقف المرأة ونجعلها تواجه التطرف".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.