حاوره خالد الغالي:
يوجد قرابة 1500 مقاتل مغربي في ساحات المعارك في سورية والعراق، كما تورط مغاربة في هجمات إرهابية على الأراضي الأوروبية (باريس وبروكسيل).
منتصر الساخي، الباحث السوسيولوجي المغربي، تتبع خيوط المقاتلين المغاربة في المغرب وأوروبا وانتقل إلى الحدود السورية، كما التقى بمقاتلين سابقين وحاليين وعائلاتهم.
يعمل الساخي حاليا أستاذا لعلم الاجتماع بقسم السوسيولوجيا بجامعة باريس. كما أنه حاصل على منحة لتحضير الدكتوراه في الأنثروبولوجيا بنفس الجامعة. في هذا الحوار، مع موقع (إرفع صوتك)، يقدم منتصر بعض خلاصات بحثه خلال السنتين الماضيتين.
متى بدأ التحاق المقاتلين المغاربة بساحات القتال في سورية والعراق؟
منذ الحرب في العراق سنة 2003 التحقت مجموعات من الشباب، خاصة من مدينة طنجة (شمال)، بحركات مسلحة خاضت الحرب ضد الجيش الأميركي والتحالف. في 2013 بدأت دفعات كبيرة تلتحق. وكان حلم الكثيرين هنا هو تشكيل دولة ومجتمع جديد في المنطقة.
من أين جاء أغلب المقاتلين المغاربة؟
غالبية المقاتلين تنتمي إلى مدن الشمال وخاصة المضيق والفنيدق وتطوان، كما ينتمي بعض الشباب إلى ضواحي مدينتي سلا والقنيطرة (غرب).
ماذا عن المستوى الاجتماعي والتعليمي؟
المستوى الاقتصادي والدراسي للذين ذهبوا إلى سورية مختلف من مقاتل لآخر، لكن يمكن رسم صورة أولية: كثير من الشباب ينتمون لأحياء فقيرة، تذكر بحالة الشباب المتهم في أحداث 16 أيار/مايو 2003 بالدار البيضاء.
غالبيتهم يعيشون فقرا مصحوبا بضغط اجتماعي من أجل ولوج سوق عمل تغيب فيه إمكانية الترقي الاجتماعي. هناك مقاتلون قادمون من أسر هاجرت من القرى نحو هوامش المدن. من الشباب العائد، التقيت شابين قضيا 10 سنوات يحاولان الهجرة السرية نحو إسبانيا قبل أن تتحول وجهتهما نحو حدود مفتوحة: تركيا ثم داعش.
في حي مثل بني مكادة بطنجة أو جامع مزواق بتطوان لاحظت مرور شباب، بعد انقطاعهم الإجباري عن المدرسة، من حياة هامشية يكون فيها الحصول على لقمة العيش صعبا إلى الانغماس في موجة المخدرات التي تعرفها الأحياء الفقيرة والعيش في صراع يومي من الأمن المغربي والإسباني بسبب الاشتغال في تهريب السلع والتجارة الممنوعة، قبل أن تأتي الحركات الدينية (والخطاب الإسلامي عموما) لتلعب دورها في إعادة إدماج هؤلاء الشباب.
كيف تتم عملية إعادة الإدماج هذه؟
إعادة الإدماج تتم عبر تمكين الشاب من الحصول على الاعتراف داخل حاضنة اجتماعية جديدة. فممارسة الشعائر الدينية والتغيير الشكلي -عبر اللباس واللغة والمظهر- يمكن غالبا الشاب من الحصول على بطاقة "ولادة جديدة" واعتراف، ليس فقط داخل "المجتمع الصغير" الذي تشكله الفرقة الدينية وجماعة الإخوة التي ينتمي لها، بل داخل الحي والمجتمع. حينها، فقط يمكنه الانخراط في عمل تجاري".
هذا الإنسان هداه الله وأخرجه من الجاهلية إلى النور" يقول سكان الحي. الإسلام غالبا ما يلعب هذا الدور هنا، أي دور إعادة الاعتراف والتمكين من الكرامة عبر فتح إمكانية إعادة الإدماج الاقتصادي ككل. عدد من الذين التحقوا بداعش مروا من هذه المرحلة.
ماذا عن الذين لم يمروا بالطريق والمراحل الذي ذكرتها؟
من الشباب الذين التقيتهم من ينتمي لأسر يمكن القول إنها غير فقيرة تماما. بعضهم حاصل على دبلوم إجازة في التاريخ مثلا أو يشتغل كموظف بقطاع الصحة أو ابن لأسر قاطنة بأحياء متوسطة. الانخراط في تنظيم الدولة أو في الحركات الإسلامية عموما (منهم من كان منخرطا في شبيبة حزب العدالة والتنمية قبل أن يعتبر أنها لا علاقة له بالحلم "الإسلامي") ينبع من حس ووعي سياسيين بضرورة تحقيق تغيير شامل والخروج من مجتمع، بقوانينه وترابيته الاقتصادية والقيمية، نحو مجتمع آخر.
هنا، نجد نفس بنيات الانخراط في تجارب حزبية أو حركية أخرى (الحركات الوطنية، الماركسية، الإسلامية)، حيث هناك تكوين سياسي وتنشئة اجتماعية وتاريخية مؤثرة.
في أي تنظيمات يتركز المقاتلون المغاربة؟ وهل لديهم مواقع قيادية؟
حسب المعطيات التي حصلت عليها انطلاقا من بحث قمت به على مستوى الحدود السورية-التركية، خلال شهري حزيران/يونيو وتموز/يوليو2016 ، المغاربة الذين ذهبوا إلى سورية تركزوا في بداية الصراع المسلح في جماعة "شام الإسلام" التي نشأت صيف 2013 بقيادة مغربي يدعى إبراهيم بنشقرون. التنظيم كان قريبا من جبهة النصرة. لكن مجموعة من المغاربة انخرطوا أيضا في تنظيم داعش منذ التأسيس وكذلك في جبهة النصرة أو تنظيمات قريبة من الفصائل المكونة للجيش الحر أو تنسق معه مثل أحرار الشام.
وهل لهم مواقع قيادية؟
نعم، من المغاربة من لهم مواقع تنظيمية متقدمة في مختلف الأجهزة. في داعش هناك من هم موظفون في الحسبة وجهاز الشرطة، كما هناك من هم مسؤولون عن إمامة المساجد و"الدور الشرعية"، أو نساء مسؤولات داخل "المضافات" المخصصة للنساء الوافدات على الدولة.
هنا لا بد من القول إن الانخراط في أية مجموعة كان مرتبط بعلاقات الصداقة التي كانت تجمع الذين يذهبون للجهاد والعيش في الشام. الحرب كما العنف لا يأخذان إلا زمنا صغيرا من الحياة اليومية للأفراد وسط مختلف هذه التنظيمات. في حين أن الحياة اليومية، كما داخل أي منظمة سياسية، تعتمد على آليات تلقين الخطاب والتكوين وبناء مخيال جماعي وتسطير حدود جديدة وبناء قيم معينة. الحياة اليومية هي كذلك حياة نقاش وتغيير وصراع قيم. إلى ذلك تنضاف الحياة خارج التنظيم: اللقاء مع المجتمع السوري. كلها أشياء تغيب عن النقاش العمومي كلما تعلق الأمر بنقاش حول الحرب في سورية والعراق أو حول داعش.
هل التقيت بمقاتلين وكيف كانت لقاءاتك بهم؟
التقيت بالعديد من المقاتلين برفقة زميل لي اسمه حمزة الصميلي وهو باحث في العلوم الاجتماعية وأستاذ بجامعة ليل، خضنا معا بحثا لمدة شهرين بالحدود السورية التركية، خاصة في مدن تركية تحتضن "دور استشفاء" ومستشفيات استقبلت الجرحى والمعاقين. غالبيتهم سوريون ينتمون للجيش الحر وتنظيمات مثل جبهة النصرة وداعش وأحرار الشام. هناك فرق كبير، فالأيديولوجيا التي يحملها المتتبع للحرب عن بعد لا تمكن من فهم معنى الانخراط في الصراع المسلح. وكما سبق وقلت، العنف المسلح يأخذ جزءا صغيرا من الحياة اليومية والسياسية للمنخرطين في الصراع وحاملي السلاح.
وماذا عن عائلات المقاتلين؟
في فرنسا التقيت بأزيد من 50 أما وأبا لفرنسيين التحقوا بداعش. منهم من مات ومنهم من ما زال يعيش وسط داعش ومنهم من هو مسجون بعد عودته. التقيت ببعض العائدين الذين تم القبض عليهم على مستوى الحدود مع بلغاريا أو تركيا وهم متابعون في حالة سراح. وفي المغرب، التقيت أربعة عائدين خرجوا من السجن بعد عقوبة سجنية دامت ثلاث سنوات والتقيت بالعديد من الأمهات والعائلات.
هل يمكن أن ترسم صورة عن المقاتل المغربي، سواء الذي انطلق من المغرب أو فرنسا إلى ساحات القتال في سورية والعراق؟
الوضع مختلف بين فرنسا والمغرب. الإسلام في فرنسا لا يمكن قراءته بنظارات مغربية أو جزائرية أو سعودية. الوضع المعقد، ولا يمكن فهمه دون دراسة تاريخ الهجرة والاستعمار وتاريخ استقلال الإسلام داخل المجتمع الفرنسي عن الهجرة نفسها. وعموما أقسم الخطاب الإسلامي الذي يحرك إرادات المقاتلين الذين ينخرطون في داعش إلى ثلاثة أقسام:
أولا، هناك إسلام يعوض الخطاب الشيوعي الذي ساد لدى عمال وفقراء أوروبا طيلة القرنين 19 و20. هنا، الإسلام يحمل مرجعية كونية تمكن فئات محددة اقتصاديا (الفقراء بالضواحي والمهمشين اقتصاديا) من أن يصبحوا "جسدا سياسيا" أو بتعبير كارل ماركس "طبقة". كثير ممن يذهب لداعش يبحث عن حزب أو دولة تمثل هذه الطبقة التي هو منها.
ثانيا، هناك إسلام كروحانية. وهو هنا شبيه ببعض الخطابات والمجموعات المسيحية والبوذية، وحتى الحركات الاحتجاجية (مثل الحركات الهيبية)، التي ظهرت في مواجهة ثقافة المجتمع الغربي الليبرالي. فالإسلام هنا يمثل بحثا عن روحانية وتعبيرا عن قلق وجودي أمام الحداثة والفردانية المدمرة، وأمام غياب أمل الخروج من النيهيلية (العدمية) التي طالما تطرق لها فلاسفة وأدباء منذ دوستويفسكي ونيتشه ثم ميشيل فوكو وآلان باديو. الإسلام هنا رد فعل عن نسق الحقيقة الليبرالي الذي يقدم نفسه كونيا كنسق نهائي.
ثالثا، هناك الإسلام كوطنية. فأمام تنامي العنصريات وسط الأزمات الاقتصادية، تتعرض فئات ثقافية للاضطهاد. الإسلاموفوبيا بالغرب تربي وطنيات تقدم نفسها كبديل. من الشباب الذين يرحل للدولة الإسلامية من يحلم بوطن مسلمين بديل عن وطنيات رفضت الإسلام وتهدد باضطهاده. هنا يمكن مقارنة الإسلام مع كل الوطنيات السابقة. لقد نشأت باكستان كرد فعل على اضطهاد المسلمين في شبه الجزيرة الهندية، ونشأت الحركة الصهيونية الأولى، كحركة وطنية مطالبة بدولة وطنية، كرد فعل على الاضطهاد الذي تعرض له اليهود إبان القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين.
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659