طفل نازح من الموصل يجلس بجوار خيمته في مخيم حسن شام شرق الموصل/إرفع صوتك
طفل نازح من الموصل يجلس بجوار خيمته في مخيم حسن شام شرق الموصل/إرفع صوتك

أربيل - بقلم متين أمين:

"لن أنسى ذلك اليوم الذي رأيت فيه عملية رمي رجل كبير السن وطفل، تقريبا عمره مثلي، من فوق مبنى الأورزدي (السوق المركزي) القديم في منطقة باب الطوب وسط الموصل من قبل مسلحي تنظيم داعش"، بهذه الكلمات تحدث الطفل أحمد عبدالله (13 عاما) لموقع (إرفع صوتك) عن مشاهداته داخل الموصل في ظل تنظيم داعش.

يروي أحمد أنّه كان برفقة أخيه في سوق باب الطوب عندما نادى مسلحو داعش بين الناس وجمعوهم وجاؤوا بالطفل والرجل العجوز وقالوا إنهما خالفا شرع الله ويجب تطبيق الحد عليهما. "حملهما مسلحو داعش إلى أعلى المبنى ورموهما الواحد تلو الآخر".

يضيف أحمد أنّ الرجل المسن توفي فور وقوعه على الأرض، لكن الطفل لم يمت بل حاول النهوض، فأمر "قاضي التنظيم الشرعي" المسؤول عن الإعدامات بإطلاق رصاصة عليه. وتوجّه بعدها نحوه أحد مسلحي التنظيم وأطلق النار على رأسه.

إعدامات يومية

بحسب سكان المناطق المحررة من مدينة الموصل، كانت المدينة وعلى مدى أكثر من عامين ونصف مسرحا يوميا لعمليات الإعدام التي كان التنظيم ينفذها بحق المعتقلين لديه من المناوئين له والأسرى من أفراد القوات الأمنية الذين كانوا يقعون في أسره أثناء المعارك ومن أفراد الشرطة والجيش السابقين الذين أعلنوا التوبة لداعش بعد احتلالها للموصل في 10 حزيران/يونيو من عام 2014.

عبد الحميد غالب (15 عاماً) طفل موصلي آخر كان له نصيب من مشاهدة جرائم داعش، حاله حال كثير من أطفال الموصل ممن سجلت ذاكرتهم خلال المدة الماضية الكثير من المشاهد المرعبة.

يروي عبد الحميد لموقع (إرفع صوتك) أنّه ذهب إلى السوق لشراء بعض الحاجيات للمنزل. بعد وصوله إلى السوق، شاهد خمسة شبان يجلسون على ركبهم وأيديهم مربوطة وقد عُصبت أعينهم  ويقف خلفهم عدد من مسلحي التنظيم معهم مجموعة من الأطفال يلبسون الزي الأفغاني ويحملون بأيديهم مسدسات استعدادا لإعدام هؤلاء الشبان.

ويضيف عبد الحميد أنّ "قاضي التنظيم تحدّث عبر مكبر الصوت أن هؤلاء اعتقلوا بتهمة التخابر مع القوات الأمنية وتقرر إعدامهم". وبعد تقدم الأطفال نحو الشبان، أطلق كل طفل طلقة من مسدسه على رأس الشباب الجالسين أمامهم بالتناوب، فوقعوا على الأرض وسالت دماؤهم على الشارع.

حالة نفسية صعبة

بدوره، يروي محمد الأخ الأكبر لعبد الحميد لموقع (إرفع صوتك) كيف كانت حالة أخيه النفسية عندما عاد إلى المنزل. "لم يكن طبيعيا، كان وجهه شاحبا ويرجف، ووقع على الأرض. لم يستطع تناول الطعام، ومن ثم قصّ علينا ما شاهده من مشهد مرعب في السوق. ووضعه النفسي ليس على ما يرام حتى الآن".

مشهد إعدام التنظيم لأكثر من 70 شرطيا وجنديا عراقيا سابقا وسط حي الكرامة في الجانب الأيمن من الموصل مع انطلاق عمليات تحرير المدينة كانت واحدة من المشاهد المؤلمة والمرعبة التي شاهدها الموصليون.

ويوضح كرم يونس (16 عاما) لموقع (إرفع صوتك) أنّه بعد أن دخلت قوات الأمنية منطقة كوكجلي مدخل مدينة الموصل من جهة الشرق بداية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، جاء التنظيم بأكثر من 70 عنصرا من أفراد الجيش والشرطة والذين كانوا قد أعلنوا له توبتهم وأعدمهم على أعمدة الكهرباء في الحي. وقال إنّ هؤلاء من أفراد القوات الأمنية الذين كانوا معتقلين لديه.

ويُبين كرم أنّه بعد مضي أسبوع على إعدامهم، كانت جثثهم لا تزال معلقة على الأعمدة. "صدفة زارني صديقي من حي التأميم، ورأى هذا العدد الهائل من الجثث، فسألني لمن هذه الجثث فقلت له إنها لأفراد القوات الأمنية".

يتابع كرم أنّ صديقه طلب منه أن يقتربا من هذه الجثث ويلقيا النظر عليها. وعند اقترابهما من الجثث، فجأة بدأ صديقه بالصياح والبكاء. "صار يصرخ لأن أحد جثث المعدومين هي جثة أخيه والذي اعتقله التنظيم لأنه من أفراد قوات الشرطة السابقين".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.