بقلم فلاح المشعل:
* السلاح بديلاً عن غصن الزيتون!
اتجهت العديد من المكونات العراقية التي تشكل الأقليات الدينية والإثنية إلى التخلي عن طبيعتها المسالمة المتسمة بالتسامح والتآخي وتقديم مبدأ السلام والمحبة إلى الآخر، واستبداله بالسلاح لحماية أرواحهم وأعراضهم ومدنهم من شرور داعش وتهديداته. ونحن هنا نتحدث عن المسيحيين والأيزيديين والشبك والتركمان والكاكائيين وغيرهم من الأقليات المتوزعة في مدن الموصل ودهوك وكركوك وصلاح الدين.
أدركت الجماعات المسالمة أن حمل غصن الزيتون سيجعلهم رؤوسا مفصولة عن أجسادها، أو أسرى بصفة عبيد يخدمون الدواعش، أو بضاعة تساق إلى أسواق بيع البشر. وهذه السيناريوهات عالقة في ذاكرتهم وضمائرهم بعد هول الصدمة التي تلقوها من تنظيم داعش، وصور الموت والذبح والسحل والتعذيب التي تقشعر لها الأبدان، وتسقط معها أي اعتبارات دينية أو وصايا سماوية أو ثقافة مكتسبة أو فلسفة وضعية. أفعال تستدعي أن تُقابل بالسلاح في وقفة تصدي ودفاع مشرف. ومن هنا انطلقت مواكب الشباب من المسيحيين والأيزيديين وغيرهم إلى التطوع للتدريب على السلاح والانخراط مع أفواج المقاتلين للدفاع عن مدنهم وتطهيرها من رجس داعش وشروره.
المكونات العرقية والإثنية والطائفية التي أسقط عليها داعش ألواناً من ظلم وعذاب غير مسبوق، اتجهت إلى تشكيل فصائل مسلحة لحماية نفسها بعد أن عجزت القوات الحكومية عن حمايتهم وتوفير مقومات الدفاع(1). إذ يلتحق أول فصيل من عناصر المقاومة المسيحية مع البيشمركة "قوات حرس إقليم كردستان العراق"، فإن مجموع المتطوعين المسيحيين من مدينة دهوك وحدها بلغ أكثر من 2000 متطوع يجري تدريبهم وتسليحهم بهدف التصدي لهذا التنظيم المتوحش الذي شرد آلاف العوائل وسلبها من تاريخها وحاضرها المتمدن بأبشع سلوكيات الانتقام الفاشي والعدوان الأعمى.
الأيزيديون أيضا قاموا بتشكيل كتائب مسلحة للدفاع عن مدنهم وشرفهم بعد أن تم تشريدهم من مدينة (سنجار) ذات الأغلبية الأيزيدية(2). تلك خطوة فرضتها عليهم جرائم داعش، فقرروا مسك زمام أمرهم والمبادرة بالدفاع عن أنفسهم بأنفسهم من خلال "كتائب طاووس ملك" (طاووس ملك يمثل رمزهم الديني الرفيع)، واستطاعوا خوض المعارك ضد تنظيم داعش وتكبيده خسائر في دفاعهم عن مدينة سنجار وعن حياتهم. كما درجت بقية المكونات مثل الشبك والكاكائيين والتركمان الشيعة إلى اقتناء السلاح وتدريب أبنائهم لأجل توفير الحماية والدفاع عن وجودهم وتاريخهم.
وإذا استذكرنا فتوى المرجع الشيعي آية الله العظمى السيد علي السيستاني بإعلان الجهاد الكفائي بعد سقوط الموصل وصلاح الدين وتهديد بغداد والمدن المقدسة، وتشكيل قوات قوامها آلاف المتطوعين من ألوية الحشد الشعبي، نستنتج من ذلك أن تنظيم داعش دفع باتجاه تسليح غالبية المكونات العراقية من شمال الوطن إلى جنوبه. عسكرة تامة أحالت الوطن إلى معسكرات عديدة مشغولة بمناورات وحروب تجري في شمال ووسط البلاد وغربها وشرقها.
تخيل أن بلادا تشكل مكوناتها كتائب وفصائل مسلحة، وهي بمعنى آخر ميليشيات طائفية ودينية وعرقية تعدادها يبلغ مئات الألوف، وقد ساهمت بدور قتالي ضد تنظيم داعش من خلال مواجهات عنيفة، وعاشت ظروفا تمرست بها بمشروع القتال ومعانقة السلاح واعتباره هوية وجود لها، كيف سيكون المزاج الوطني العام مابعد داعش؟ وماهي الإفرازات السلوكية التي تترشح عن هذه المجاميع الميليشياوية؟
وكيف تتمكن الحكومة أو بقية المؤسسات المعنية من تحويل وجودها ودورها من عناصر عنفية إلى طاقات سلمية؟
كم سيعطي المجتمع من خسائر نفسية ومادية وبشرية وأخلاقية جراء جرائم التي قد ترتكبها هذه الميليشيات؟
هذه الأسئلة وغيرها كثيرة ينبغي أن يتم الإجابة عنها إجرائيا ً بعد القضاء على داعش وإنهاء وجوده في الموصل.
(1) http://www.sasapost.com/babylon-brigades/ كتائب بابليون الجناح العسكري للمسيحيين.
(2) يشكلون افواجا مسلحة للدفاع عن أرواحهم ومدينتهم ،أقرأ موقع إرم بتاريخ 20تموز 2016.
نبذة عن الكاتب: فلاح المشعل، كاتب وصحافي عراقي يقيم في بغداد ويكتب في عدد من الصحف والمواقع العربية والعراقية. شغل عدة مواقع خلال تجربته الصحافية البالغة نحو 30 سنة، ولعل أبرزها رئيس تحرير صحيفة الصباح العراقية، وكان أحد مؤسسيها . عضو نقابة الصحفيين العراقيين ، ومؤسس لمركز الصباح للدراسات والنشر.
لمتابعة فلاح المشعل على فيسبوك، إضغط هنا.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.