أطفال عراقيون/إرفع صوتك
أطفال عراقيون/إرفع صوتك

بغداد – بقلم دعاء يوسف:

ربما لا يمكنك أن ترى الأطفال عند الدخول من بوابة مخيم (التكية الكسنزانية) على أطراف العاصمة بغداد إلا بعد أن تجتاز بضع كيلومترات من طريق وعر لتصل إلى خيم النازحين.

عند النظر في بعض أركان المخيم، تلمح طفلة لم تتجاوز الثالثة من عمرها تسير وهي مرتدية الجوارب بأقدامها من دون الحذاء. فتظهر أختها التي تكبرها سناً تركض خلفها في محاولة لإعادتها إلى الخيمة. تقول دعاء ابراهيم، 10 أعوام، إن أمها لا تملك المال لشراء حذاء لها.

وتضيف دعاء التي تعيش برفقة أبويها وإخوتها الأربعة أنهم يعتمدون على المساعدات التي يتبرع بها الناس. "لكنها لا تكفي. أمي تبكي دائما ولديها رغبة في العودة إلى بيتنا في محافظة صلاح الدين"، تقول الفتاة لموقع (إرفع صوتك).

وتدرس دعاء بمدرسة المخيم. وتقول إنه بالرغم من تفوقها إلا أنها لا تحب المدرسة. "لا أرغب بالذهاب للمدرسة بشكل يومي لأن الأولاد هناك يضربونني".

البقاء بعيداً

وقد يمرّ من جانبك طفل وبالاتجاه نفسه ووجهه تجاهك كأنه يراقبك. تسأله كيف تقضي وقتك هنا؟ يرد عليك بسرعة وكأن الجواب جاهز أو لا يحتاج الكثير من التفكير. "لا أعلم. لا شيء". 

وعمار وليد، 12عاماً، دائما ما يمشي وحده في المخيم يقطعه جيئة وذهابا لعشرات المرَّات. يقول في حديث لموقع (إرفع صوتك) "تعرّفت على الكثير من الأشياء. الحفر. القمامة. عدد الخطوات بين خيمة وأخرى في المخيم".

ويضيف عمار الذي نزح برفقة أسرته المتكونة من خمسة أفراد من محافظة صلاح الدين عام 2014 أنّه حاول الالتحاق بمدرسة المخيم، لكنه لم يستطع مواصلة تعليمه هناك لأنّه يشعر بالاكتئاب. "لا رغبة لي بالدراسة ولا التواصل مع الآخرين. أفضل البقاء بعيداً عن الجميع".

أحداث ما قبل النزوح

وعلى بعد أمتار قليلة ستستمع لأطفال يصرخون، ثم تشاهدهم يهربون ليختبئوا بين الخيام. بينما تجد غيرهم يركضون.

ويبدو الركض من أكثر الالعاب التي اعتاد عليها أطفال المخيمات. يقول خالد نعيم، 11 عاماً، لموقع (إرفع صوتك) "لا أستطيع البقاء داخل الخيمة لفترات طويلة. أشعر وكأنني محبوس. لذا أفضل قضاء الوقت خارجها للعب مع أقراني".

ويضيف خالد الذي نزح مع جدته وأمه بعد مقتل والده جراء إطلاق النار عليه من قبل جماعات داعش في محافظة صلاح الدين عام 2014 "كلما حاولت أن أنسى أحداث ما قبل النزوح. تعود إليّ فجأة وأفقد رغبتي بالتواصل مع الآخرين".

المشادات والمشاجرات

وعن أوضاعهم في المخيم، تقول إكرام ياسين، 42 عاماً، إنّ أبناءها يظلون داخل الخيمة حتى استكمال واجباتهم الدراسية. وبعدها يخرجون للعب.   

وتضيف إكرام، التي نزحت مع زوجها وأبنائهم الأربعة من محافظة صلاح الدين عام 2014، لموقع (إرفع صوتك) "قبل النزوح، كنت حريصة على أطفالي، فلم أكن أسمح لهم باللعب خارج بيتنا الكبير الذي يضم مزرعة إلا نادراً. لكن الأمر تغير الآن فالخيمة صغيرة ومكوثهم فيها طوال الوقت يشكل عبئاً بسبب المشادات والمشاجرات التي تقع بينهم".   

وعلى الرغم من أن السماح لهم بالبقاء خارج الخيمة الحل الوحيد، فإن القلق والخوف لا يزالان يسيطران عليها كما تقول إكرام التي دائما ما تحاول مراقبتهم بخفية لتتأكد من سلامتهم. "أشعر بالقلق عليهم. وأخاف من أن يتعرضوا للاعتداء أو ربما يستغلهم أحدهم في أمر ما".

لا أحب العمل

اللافت للنظر أن من الأطفال من يعمل لتوفير بعض المال. تصادفك طفلة تقف في محل لبيع بعض المواد الغذائية وبعض الحاجيات داخل المخيم. وتقول نور أمين، 12 عاماً، لموقع (إرفع صوتك) إنها بعد عودتها من المدرسة، تقف في المحل لتساعد جدتها في البيع.

وتعيش نور مع عائلتها المكوّنة من 11 فردٍ وهم أمها وجدتها وعمها وزوجته وأطفالهم. وتضيف أنهم نزحوا من محافظة صلاح الدين عام 2014 بعد مقتل والدها على يد داعش.

وتتابع "جدتي فتحت هذا المحل لتوفر قوت يومنا... لا أحب العمل، لكن جدتي ليست بصحة جيدة. لذا أقوم بمساعدتها في إدارة المحل".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.