آثار رومانية في مدينة الحضر/وكالة الصحافة الفرنسية
آثار رومانية في مدينة الحضر/وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم إلسي مِلكونيان:

أصيبت مباني المواقع الأثرية في المناطق التي وقعت تحت سيطرة تنظيم داعش منذ 2014 في العراق بأضرار كبيرة.

ويعود جزء كبير منها إلى عصور ما قبل الإسلام، كالحضارات الآشورية والبابلية والأكدية، حيث سعى التنظيم المتطرف إلى تدميرها بحجة أنها أصنام وثنية. ودمّر بعض المواقع الإسلامية أيضاً بحجة أنها مبنية على قبور. إذ تكشف تقارير عن أَضرار طالت أكثر من 100 مسجد، بعضها أثري، ولها قيمة تاريخية كبرى.

ومع تزايد رقعة المناطق المحررة من قبضة داعش الآن، تقوم السلطات بتقييم ما تضرر ووضع خطة لإعادة الإعمار.

فهل يندرج ترميم الإرث الحضاري أيضاً ضمن الخطة؟ وماذا يفعل العراقيون للحفاظ على تاريخهم من تبعات التطرف؟ 

 أولويات خطة الإعمار

ويسعى أعضاء مجلس محافظة نينوى إلى طرح خطة لإعادة إعمار المناطق المحررة للتصويت أمام المجلس في منتصف شهر شباط الجاري، حسب توضيح رئيس نائب رئيس مجلس محافظة نينوى، نور الدين قبلان في حديث لموقع (إرفع صوتك).

ويقول المسؤول العراقي "الخطة تتضمن محاور رئيسة من ضمنها ترميم الآثار التي تضررت بسبب المعارك. لكن على الرغم من إدراجها ضمن الخطة إلا أن أعمال الترميم لن تبدأ قبل عامين ونصف بسبب وجود أولويات أخرى كإصلاح البنى التحتية وإعادة الخدمات الصحية والتعليمية إلى المدنية (وهي ضرورية لعودة النازحين إلى مناطقهم)".

ويشير قبلان إلى عدم توفر إمكانية لمعرفة وتقييم كامل المواقع الأثرية التي تعرضت للضرر وبالتالي لا يمكن تقدير كلفة ترميمها، خاصة وأن بعضها لا يزال في قبضة التنظيم المتطرف، كمدينة الحضر وقلعة تلعفر، حسب قبلان.

من يعيد التاريخ إلى أذهان الناس؟

في المناطق المحررة آثار تمثل حضارات متعددة عاشت في العراق ومثلت جزءاً مهماً من تاريخه. ومثال على ذلك، مدينة نمرود درة الحضارة الآشورية، ومتحف الموصل، وقلعة تلعفر الذي يعود تاريخ تأسيسها إلى العصور الحجرية ومواقع إسلامية كمرقد النبي يونس الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى القرن الـ13 ميلادي.

لكن على الرغم من إدراج "خطة مؤجلة" لترميم هذه الآثار حسب قبلان، إلا أن هناك مشاكل أخرى تعيق الحفاظ على الإرث الحضاري الذي أساء له التنظيم المتطرف، يشرحها علي النشمي الباحث وأستاذ التاريخ في الجامعة المستنصرية.

يقول النشمي في حديث لموقع (إرفع صوتك) "قام الدواعش بتدمير مباني المواقع الأثرية باستخدام البلدوزر، مما يجعل ترميمها من الناحية الهندسية صعباً. لكن المشكلة الحقيقة هي في التاريخ الذي تحكيه هذه المباني، فقد بات العراقيون الآن لا يعرفون التاريخ وما تحكيه آثارهم بشكل جيد!". 

ويضيف المؤرخ العراقي "أشعر بمرارة لهذا الواقع والإرث المهم. فالمقصر الحقيقي هو الحكومة التي تعيش أزمة وضع الشخص المناسب في المكان المناسب".

ويشير النشمي إلى قلة اهتمام المنظمات الدولية بآثار العراق مقارنة بالجهود الذي بذلتها في سورية ومصر لتعريف المجتمع العراقي والدولي بها، خاصة عندما تعرضت للضرر بسبب داعش. إضافة إلى تقصير وسائل الإعلام لتعريف العراقيين بآثارهم.

ويضيف أن جهود منظمات المجتمع المدني الموجودة حالياً لا تكفي للحفاظ على هذه الآثار "إذ أن هدفها إقامة المعارض وبعض الفعاليات لا أكثر"، حسب تعبيره وما يفعله العراقييون حالياً للحفاظ على تاريخهم ينحصر بجهود فردية لبعض الباحثين.

جهود خجولة لإنقاذ التاريخ

من جهة أخرى، يسعى بعض الخبراء إلى الحفاظ على آثار العراق من خلال مراكز بحثية في التاريخ والآثار.

ففي المركز العراقي الإيطالي لعلوم الآثار الذي تم افتتاحه في نيسان/أبريل 2016 في بغداد يسعى خبراء إلى تأهيل الكوادر الموجودة لتعنى بالآثار بعد انتهاء عمليات التحرير، حسب ما يشرح رئيس المركز حاكم الشمري لموقع (إرفع صوتك).

يقول الشمري "لدينا ضمن المركز دائرة هندسية لبحث أمور الأبنية الأثرية بالعودة إلى الخرائط والرسوم. كما نقوم بتدريب المختصين وفق مناهج مهنية وعلمية".

لكنه يتفق الشمري والنشمي على أن الجهود الحالية لا تكفي لأن العراق بحاجة إلى جهود حقيقية ومساندة دولية لإنقاذ المواقع الأثرية وتاريخها من تبعات التطرف.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.