نازحون من الموصل/وكالة الصحافة الفرنسية
نازحون من الموصل/وكالة الصحافة الفرنسية

أربيل - بقلم متين أمين:

رغم نزوحه من الموصل منذ أكثر من شهر، إلا أن المواطن عبد الرزاق علي (75 عاما) لا يصدق حتى الآن أنه نجا من تنظيم داعش وقوانينه التي فرضها على الموصليين خلال أكثر من عامين ونصف من سيطرته على مدينتهم استنادا على ممارسات كانت موجودة في التراث الإسلامي ويرى التنظيم أن إعادتها أمر ضروري.

مخالفة داعش

عُوقب عبد الرزاق الذي نزح من حي يارمجة في الساحل الأيسر من الموصل بالجلد من قبل مسلحي التنظيم ثلاث مرات لأنه لم يلتزم بقوانينهم. ويقول الرجل لموقع (إرفع صوتك) "فرضوا علينا إطلاق اللحية، لكنني لم ألتزم وواصلت حلاقة اللحية لأنني لم أتعود على إطلاقها أبدا، فتعرضت للاعتقال وأخذ مسلحو داعش هوية الأحوال المدنية مني وأبلغوني أن أحضر إلى ديوان الحسبة (شرطة التنظيم)".

ويضيف أنّه ذهب إلى الحسبة لاسترجاع الهوية، لكنهم أبلغوه أنّه بعدم إطلاق اللحية خالف شرعا من شرائع الله وأنه وجب عليه العقوبة. "زجوني في السجن الذي كان مكتظا بعدد كبير من المعتقلين".

ويشير علي إلى أنه وبعد نحو ست ساعات من السجن، فُتح باب الزنانة وعادوا ليأخذوه مرة أخرى. ويمضي بالقول "ربطوني على عامود وبدأ أحد المسلحين بجلدي بالسوط نحو 50 جلدة، رغم أنني طلبته أن يعفو عني لكبر سني لكن واصل الجلد حتى كدت أن أموت، ومن ثم أطلقوا سراحي بعد أن أخذوا مني مبلغ 50 ألف دينار عراقي (42 دولار أميركي) كغرامة".

ورغم دفعه الغرامة، إلا أن التنظيم ظل يحتجز هوية عبد الرزاق ولم يعدها له، وهدّده مسؤول الحسبة بقطع الرأس إذا خالف مرة أخرى أي قانون من قوانين داعش.

قوانين داعش

بعد احتلاله للموصل في 10 حزيران/يونيو من عام 2014، فرض التنظيم عددا كبيرا من القوانين على الموصليين. ومن ضمن ما فرضه داعش: إطلاق اللحية للرجال، وكف السراويل، وأداء الصلوات الخمسة في المسجد، وعدم استخدام أي وسيلة اتصال كالهواتف والإنترنت للاتصال بالعالم الخارجي، ودفع الأتاوات له، ومبايعته.

أما النساء فكانت لهن حصة الأسد من هذه القوانين فقد فرض عليهن التنظيم النقاب والخمار والغطاء الثالث ولبس الكفوف والجوارب وعدم الخروج من المنازل دون أن يرافقهن رجل من أفراد عائلاتهن. وحرمهن من الدراسة.

وعمل التنظيم بعقوبات كقطع الأيدي والجلد والرجم وقطع الرأس والصلب والرمي من الأبنية المرتفعة والحرق والغرق. واستفاد من العنف الذي بررته بعض كتب التاريخ لبث الرعب بين صفوف سكان المناطق التي احتلها لتسهيل بسط السيطرة عليهم.

عبد الله محمود مواطن آخر من حي الوحدة في الجانب الأيسر من مدينة الموصل، تعرّض للجلد والغرامة لعدم التزامه بكف سرواله. ويوضح عبدالله لموقع (إرفع صوتك) "كان هناك مسلحون من طاجكستان يتجولون برفقة مسلحين عراقيين في أزقة الحي ويبحثون عن حجة لمعاقبتنا وتغريمنا، وفي أحد الأيام أوقفوني بحجة عدم كف السروال، واعتقلوني وزجوني في السجن عدة أيام. حققوا معي وقالوا لي إنني لم ألتزم بسنة الرسول، فسألتهم وهل أنتم رأيتم الرسول يلبس سروالا مكفوفا؟ فثار غضبهم علي وسجنوني 45 يوما ومن ثم أحالوني على المحكمة الشرعية واتهموني بالكفر".

ويتابع محمود "كانوا يضربوننا يوميا ضربا مبرحا، حتى شعرت أن عظامي تكسرت، ومن ثم أبلغوني أنهم سيعدمونني قريبا. لكن بعد يومين من إبلاغهم لي أطلقوا سراحي واتضح فيما بعد أنهم أخذوا من أهلي 10 آلاف دولار أميركي أي ما يعادل 12 مليون دينار عراقي مقابل إطلاق سراحي".

ويرى محمود أن قوانين داعش أعادت الموصل إلى الوراء نحو ألف عام وبثت فيها التخلف. ويقول "سيطرة داعش على الموصل خلال المدة الماضية أدخلت المدينة في نفق مظلم سيحتاج إلى عدة سنوات للخروج منه. داعش استغل الدين للتحكم بالناس. والناس في المدينة أصبحوا أكثر تقيدا، نحن بحاجة إلى توعية وعلاج نفسي كي ننهض وننفض عنا غبار زمن الإرهاب".

سلمى خالد امرأة موصلية اضطرت إلى الطلاق من زوجها بسبب الفقر والعوز الناجم عن البطالة التي جاء بها داعش للمدينة. وتروي سلمى لموقع (إرفع صوتك) "تطلقت من زوجي بسبب الفقر الذي أدى إلى نشوء مشاكل بيننا في المحكمة الشرعية للتنظيم الذي حرمني من كافة حقوقي الشرعية المتمثلة بالنفقة والمؤخر بحجة أنني مسلمة وتطلقت من مسلم بإرادتي الشخصية لذا لا يحق لي المطالبة بالحقوق".

وتوضح سلمى أن محكمة التنظيم فرضت على طليقها دفع 500 دينار عراقي لابنه الصغير يوميا. وتقول "خصصوا للطفل هذه المبلغ القليل الذي لا يمكن شراء شيء به من السوق. ومع هذا لم يلتزم زوجي بها وحين اشتكيت عليه، أبلغوني أنني لا يحق لي الشكوى لأن زوجي مسلم".

وتتساءل سلمى "أي دين هذا يغدر بالمرأة والطفل؟".

وتختتم حديثها بالقول "تجنبت الإلحاح في المطالبة بحقي وتهرّبت منه لأنني كنت أخشى أن يلفقوا لي تهمة الزنا ويرجمونني كما رجموا الكثيرات من نسوة وفتيات الموصل دون أن يرتكبن أي خطأ".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.