مدونات إرفع صوتك - هبة أمجد
مدونات إرفع صوتك - هبة أمجد

مشاركة من صديقة (إرفع صوتك) هبة أمجد:

إسمي هبة أمجد. ما زلتُ لا أستطيع أن أخبركم باسمي الحقيقي، فأنا مرعوبة مما عايشناه. أنا من الموصل، ولدتُ وتربيتُ فيها، وأكتبُ لكم من أحيائها المحررة قبل أيام. عمري 27 سنة. تخرجت من كلية الهندسة في جامعة الموصل. أريد أن أنقل لكم قصة ما عايشناه في المدينة خلال أيام الاحتلال.

سأبدأ معكم قصة الاحتلال من أول بداياته.

في يوم 6/6/2014 بدأت اشتباكات قوية في الجزء الغربي من المدينة. وأعلن منع التجوال من قبل السلطات إلى إشعار آخر، فتوقفت الحياة. وفي منتصف ليل 10/6/2014، بدأ الناس يقولون: انسحب الجيش ووصل هؤلاء (الذين لا نعرف من هم) إلى الجانب الآخر من المدينة وهو شرقها. وقلت لأهلي هؤلاء هم الدواعش الذين أتوا من سورية. ولم يصدقوني، أو ربما لم يدركوا الموضوع بعد...

بدأت العوائل بالهروب. ولكن عائلتي بقت في منزلنا لأن والدي قال اهدؤوا ولننتظر لنرى ما يحدث. وبعدها بساعات سقطت محافظة كبيرة تبلغ مساحتها أكثر من 37 ألف كيلو متر مربع 

سقطت عشرات الأقضية والنواحي والقرى بدون إطلاقة واحدة. وأغلب الناس لا تعرف ما الموضوع أو من هؤلاء. في الأيام الأولى أنا شخصيا كنت أنتظر عودة الجيش. فخرجنا بالسيارة لنرى المدينة. أغمضت عيني قائلة لا أريد أن تحمل ذاكرتي صور وجوههم البشعة، فالجيش سيأتي بعد يوم أو يومين.

يا لسذاجتي. لم أعلم أن هناك فرقا شاسعا بين توقيتي وبين توقيت الحياة والواقع. فأتى الجيش ولكن بعد 944 يوما بدلا عن يومين.

لا يمكن وصف بدايات الاحتلال إلا بالعاصفة الهوجاء من قبل أناس أرادوا تغيير كل شيء. فنحن في محافظة نينوى لدينا عدة أقليات. أتى الاحتلال الداعشي الذي يرفض هذا التنوع رفضا تاما. فبدأت الصعوبات تتزايد تدريجيا. فالأيزيديون يسكنون في الشمال الغربي لنينوى، والتركمان في الجنوب الغربي، والمسيحيون في شرقها، والشبك في الجنوب الشرقي. فضلاً عن الأكراد والأغلبية العربية في مركز محافظة نينوى، وهي الموصل، وفي جنوبها.

أردتُ منفذا، كان عليّ الخروج من المدينة. ذهبتُ وأهلي إلى مدينة دهوك المجاورة بحثاً عن عمل وهروباً من واقع بدا مبهماً وقاسيا. فوجدنا أنه لم يبق سكن بسبب هروب مئات الآلاف من أهل الموصل إلى دهوك. كان منظر العوائل المتوزعة في كل مكان من دون مسكن مخيفاً. فضلنا العودة إلى أمان منزلنا. على الأقل يوجد فوقنا سقف. كان خياراً صعباً، ولكن كان الأمل أن الجيش سيعود، وقريبا. عدنا إلى منزلنا وإلى واقعنا الجديد الذي جعلني أشعر بغربة كبيرة.

ما زلت أتكلم عن الفترة الأولى من الاحتلال. فالدواعش كانوا يُظهرون للناس أنهم هادئون وجيدون، ولم يصدروا بعد قراراتهم الجائرة. فلم يظهروا وجههم الحقيقي حتى تلك اللحظة. وما كان الناس يعرفون على وجه الدقة مع من يتعاملون. وكانت بغداد ما تزال تدفع الرواتب للموظفين. وكانت الأسواق عامرة بالكثير من خيرات وطننا الذي أصبحنا نخاف نقول اسمه تدريجياً.

بعد مرور فترة من بدء الاحتلال، اتصلتُ بصديقاتي وأصدقائي، وهم من ديانات وطوائف مختلفة. واتصلت بعوائل تعرفت عليهم عندما كنت سفيرة للمواطنة (ضمن برنامج تابع لمنظمات المجتمع المدني) حيث كنا نزور الأقضية والقرى، وحدثوني عن قصص مروعة أثناء هجوم داعش عليهم. فقالوا لي إن إحدى الأمهات ومن شدة الخوف والهول نسيت أثناء هروبها رضيعها ذا الشهرين في مهده. وكذلك قال لي صديقي الذي يسكن قضاء الحمدانية إنه تم الهجوم عليهم في ليلة عرسه فهربوا حتى من دون الأحذية. ولكن والحمد لله هو الآن يتمتع بـ "إنسانية ألمانيا". بينما الدواعش جثثهم متعفنة الآن أو في الأنفاق كالجرذان. وصديقتي الأخرى وجدت حب حياتها أثناء نزوحهم وبقائهم في إحدى مدارس إقليم كردستان، وتزوجوا وسافروا إلى لبنان، وهم سعداء جدا حاليا فشكراً لله.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.