بقلم علي قيس:
يجمع باحثون وأكاديميون أنّه وعلى مدار التاريخ كان الدين لدى الحكام بمثابة العمود الفقري لسلطتهم، وقاموا بتفسير نصوصه وقواعده وفق مصالحهم، وهو ما أسهم في إنتاج أحداث عزّزت التطرف والعنف لدى المجتمع العراقي.
"السؤال المطروح الحكم لمن؟ وهل هناك خليفة بعد رحيل النبي"، من هنا بدأت ملامح الفكر المتطرف بحسب أستاذ أنثروبولوجيا الدين في الجامعة المستنصرية بالعراق الدكتور جعفر نجم، الذي أوضح في حديث لموقع (إرفع صوتك) "كما ظهر الجدل والتطرف بعد مرحلة النبي في مسألة القرآن من ناحيتي جمعه وتأويله، والأولوية لمن في الخلافة؟".
الحرب الأهلية الإسلامية الأولى؟
والمسألة الأخطر في رفد التطرف بحسب نجم هي "كيفية اللجوء إلى النص القرآني لتبرير العنف بعد ذلك وهنا ظهرت بوادر الحرب الأهلية الإسلامية الداخلية"، مضيفا "أول من قام بهذا الموضوع هم الخوارج بعد قضية التحكيم التي جرت بين الإمام علي ومعاوية ابن أبي سفيان، هذا أسس لقضايا متعددة حول مسألة الصراع حول السلطة بين الخط الأموي وخط المعارضة الشيعي".
ويتفق مع هذا السياق، أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة بغداد صادق العلوي الذي يقول "إذا ما حاولنا أن نضع إصبعنا على بداية ظهور حركات الإرهاب والتطرف يمكن القول إن حركة الخوارج بجناحيها العسكري والسياسي كانت بداية الإرهاب"، مضيفا في حديث لموقع (إرفع صوتك) "لأن الخوارج انتشر بينهم التفسير القرآني المتسم بالغلو، ويمكن وصف حركات التطرف بأنها امتداد للخوارج مع تطور وسائل التعبير والدفاع عن آرائهم".
ويسرد العلوي أبرز الأحداث التي عمّقت التطرّف في العراق ومنها:
- فترة الصراع القومي الأول حتى الاحتلال المغولي
احتدام الصراع الذي اتسم بالقومية بين عامي 232 وحتى 247 هجري (846-861 ميلادي)، حيث شهدت الساحة السياسية صراعا حول الحكم بين القوميات العربية والفارسية والتركية.
وشهدت هذه الفترة نفوذ قادة الجيوش وأمراء الحرب الذين كانوا يسيطرون على الأراضي، ويزرعون بذور الإقطاع السياسي والزراعي. بالمقابل كان السواد الأعظم من الشعب العراقي يعيش وضعا اقتصاديا ومعيشيا صعبا.
واستمر الصراع بين القوميات المسلمة في هذه الفترة حتى سقوط بغداد على يد المغول. "وعمّقت فترة السقوط هذه من الفكر الإرهابي بسبب أعمال القتل والبطش التي مارسها المغول".
- الصراع الطائفي الصفوي - العثماني
كان الصراع بين الصفويين والعثمانيين صراعا سياسيا صرفا ضمن إطار ديني، وهو أكثر من ساهم في إشاعة ثقافة التطرف الطائفي الذي ألقى بأثره سلبا على العلاقات داخل المجتمع العراقي. واستمر الحال في الربع الأول من القرن العشرين حيث كان العراق يعيش تحت الانتداب البريطاني، حيث حاولت بريطانيا الاستفادة من تلك الصراعات في تنفيذ سياستها المعروفة بـ "فرّق تسد". وفي عام 1921 وعندما جاء الملك فيصل الأول إلى الحكم في العراق حاول تهدئة حدة الصراع لكنه تفاجأ بتجذر الخلاف.
- العهد الجمهوري
عام 1958 كان بداية العهد الجمهوري الذي كان يريد إسلاما يتماشى مع القومية، لكنه شهد صراعا عنيفا بين التيار الاشتراكي اليساري (الشيوعيين) والتيار القومي (الناصريين والبعثيين).
- فترة حكم البعث
تصاعدت الخلافات السياسية والقومية في مرحلة حكم البعث التي بدأت عام 1968 عبر اعتماد النظام السياسي على نفوذ أجهزة قمعية، وشنها الحروب المدمرة على إيران والكويت، مما أسهم في عسكرة المجتمع ونشر ثقافة السلاح والعنف والقتل.
- بعد عام 2003
بعد عام 2003 انفتحت أبواب العراق وأصبح سوقا لبيع الأفكار المتشددة والمتطرفة والهدامة تنفيذا لمصالح الدول والأجهزة الاستخبارية، وما ساعد في ذلك هو أداء الطبقة السياسية التي حكمت البلاد حتى وصل المشهد إلى تنظيم داعش.
الحرب الطائفية 2006
أما الشيخ أحمد الراوي وهو أحد مشايخ الحضرة القادرية (نسبة للشيخ عبد القادر الجيلاني وتعتبر أبرز مراكز التصوّف في بغداد) فيعتبر أن "حادثة تفجير ضريح الإمامين العسكريين في العام 2006 وسوء الأوضاع الأمنية في العراق"، هي من أبرز مسببات الصراع الطائفي في العراق، موضحا في حديث لموقع (إرفع صوتك) أنه عقب تلك الحادثة "بدأ الخطاب الديني المتشدد في الكثير من المساجد والمؤسسات الدينية بالتصاعد، وسرعان ما أثار ردود فعل واسعة نشطت عبرها جماعات مسلحة استهدفت المساجد والناس والكثير من مظاهر الحريات الشخصية على أساس المذهب والطائفة".
ويضيف الراوي "وسط هذه الفوضى والغياب التامّ لسلطة القانون، كان الأئمة ورجال الدين الذين ينادون بالابتعاد عن التطرّف والتشدد في الخطاب الإسلامي خوفاً من انزلاق البلاد إلى الحرب الطائفية، يتعرضون لهجمات شرسة، تمّ بسببها هدر دماء الكثيرين منهم وتمت تصفية بعضهم جسدياً"، موضحا "ومن هنا بدأت كل طائفة دينية تنظر بارتياب لمحاولات الطائفة الأخرى لإزاحتها، وظهرت مساعٍ لتشكيل تحالفات واتفاقيات مبنية على أساس مذهبي وطائفي بغرض الوصول إلى السلطة".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659