جامع عمار بن ياسر في الحلة وهو واحد من مسجدين تم استهدافهما مطلع 2016/وكالة الصحافة الفرنسية
جامع عمار بن ياسر في الحلة وهو واحد من مسجدين تم استهدافهما مطلع 2016/وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم علي قيس:

يجمع باحثون وأكاديميون أنّه وعلى مدار التاريخ كان الدين لدى الحكام بمثابة العمود الفقري لسلطتهم، وقاموا بتفسير نصوصه وقواعده وفق مصالحهم، وهو ما أسهم في إنتاج أحداث عزّزت التطرف والعنف لدى المجتمع العراقي.

"السؤال المطروح الحكم لمن؟ وهل هناك خليفة بعد رحيل النبي"، من هنا بدأت ملامح الفكر المتطرف بحسب أستاذ أنثروبولوجيا الدين في الجامعة المستنصرية بالعراق الدكتور جعفر نجم، الذي أوضح في حديث لموقع (إرفع صوتك) "كما ظهر الجدل والتطرف بعد مرحلة النبي في مسألة القرآن من ناحيتي جمعه وتأويله، والأولوية لمن في الخلافة؟".

الحرب الأهلية الإسلامية الأولى؟

والمسألة الأخطر في رفد التطرف بحسب نجم هي "كيفية اللجوء إلى النص القرآني لتبرير العنف بعد ذلك وهنا ظهرت بوادر الحرب الأهلية الإسلامية الداخلية"، مضيفا "أول من قام بهذا الموضوع هم الخوارج بعد قضية التحكيم التي جرت بين الإمام علي ومعاوية ابن أبي سفيان، هذا أسس لقضايا متعددة حول مسألة الصراع حول السلطة بين الخط الأموي وخط المعارضة الشيعي".

ويتفق مع هذا السياق، أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة بغداد صادق العلوي الذي يقول "إذا ما حاولنا أن نضع إصبعنا على بداية ظهور حركات الإرهاب والتطرف يمكن القول إن حركة الخوارج بجناحيها العسكري والسياسي كانت بداية الإرهاب"، مضيفا في حديث لموقع (إرفع صوتك) "لأن الخوارج انتشر بينهم التفسير القرآني المتسم بالغلو، ويمكن وصف حركات التطرف بأنها امتداد للخوارج مع تطور وسائل التعبير والدفاع عن آرائهم".

ويسرد العلوي أبرز الأحداث التي عمّقت التطرّف في العراق ومنها:

  • فترة الصراع القومي الأول حتى الاحتلال المغولي

احتدام الصراع الذي اتسم بالقومية بين عامي 232 وحتى 247 هجري (846-861 ميلادي)، حيث شهدت الساحة السياسية صراعا حول الحكم بين القوميات العربية والفارسية والتركية.

وشهدت هذه الفترة نفوذ قادة الجيوش وأمراء الحرب الذين كانوا يسيطرون على الأراضي، ويزرعون بذور الإقطاع السياسي والزراعي. بالمقابل كان السواد الأعظم من الشعب العراقي يعيش وضعا اقتصاديا ومعيشيا صعبا.

واستمر الصراع بين القوميات المسلمة في هذه الفترة حتى سقوط بغداد على يد المغول. "وعمّقت فترة السقوط هذه من الفكر الإرهابي بسبب أعمال القتل والبطش التي مارسها المغول".

  • الصراع الطائفي الصفوي - العثماني

كان الصراع بين الصفويين والعثمانيين صراعا سياسيا صرفا ضمن إطار ديني، وهو أكثر من ساهم في إشاعة ثقافة التطرف الطائفي الذي ألقى بأثره سلبا على العلاقات داخل المجتمع العراقي. واستمر الحال في الربع الأول من القرن العشرين حيث كان العراق يعيش تحت الانتداب البريطاني، حيث حاولت بريطانيا الاستفادة من تلك الصراعات في تنفيذ سياستها المعروفة بـ "فرّق تسد". وفي عام 1921 وعندما جاء الملك فيصل الأول إلى الحكم في العراق حاول تهدئة حدة الصراع لكنه تفاجأ بتجذر الخلاف.

  • العهد الجمهوري

عام 1958 كان بداية العهد الجمهوري الذي كان يريد إسلاما يتماشى مع القومية، لكنه شهد صراعا عنيفا بين التيار الاشتراكي اليساري (الشيوعيين) والتيار القومي (الناصريين والبعثيين).

  • فترة حكم البعث

تصاعدت الخلافات السياسية والقومية في مرحلة حكم البعث التي بدأت عام 1968 عبر اعتماد النظام السياسي على نفوذ أجهزة قمعية، وشنها الحروب المدمرة على إيران والكويت، مما أسهم في عسكرة المجتمع ونشر ثقافة السلاح والعنف والقتل.

  • بعد عام 2003

بعد عام 2003 انفتحت أبواب العراق وأصبح سوقا لبيع الأفكار المتشددة والمتطرفة والهدامة تنفيذا لمصالح الدول والأجهزة الاستخبارية، وما ساعد في ذلك هو أداء الطبقة السياسية التي حكمت البلاد حتى وصل المشهد إلى تنظيم داعش.

الحرب الطائفية 2006

أما الشيخ أحمد الراوي وهو أحد مشايخ الحضرة القادرية (نسبة للشيخ عبد القادر الجيلاني وتعتبر أبرز مراكز التصوّف في بغداد) فيعتبر أن "حادثة تفجير ضريح الإمامين العسكريين في العام 2006 وسوء الأوضاع الأمنية في العراق"، هي من أبرز مسببات الصراع الطائفي في العراق، موضحا في حديث لموقع (إرفع صوتك) أنه عقب تلك الحادثة "بدأ الخطاب الديني المتشدد في الكثير من المساجد والمؤسسات الدينية بالتصاعد، وسرعان ما أثار ردود فعل واسعة نشطت عبرها جماعات مسلحة استهدفت المساجد والناس والكثير من مظاهر الحريات الشخصية على أساس المذهب والطائفة".

ويضيف الراوي "وسط هذه الفوضى والغياب التامّ لسلطة القانون، كان الأئمة ورجال الدين الذين ينادون بالابتعاد عن التطرّف والتشدد في الخطاب الإسلامي خوفاً من انزلاق البلاد إلى الحرب الطائفية، يتعرضون لهجمات شرسة، تمّ بسببها هدر دماء الكثيرين منهم وتمت تصفية بعضهم جسدياً"، موضحا "ومن هنا بدأت كل طائفة دينية تنظر بارتياب لمحاولات الطائفة الأخرى لإزاحتها، وظهرت مساعٍ لتشكيل تحالفات واتفاقيات مبنية على أساس مذهبي وطائفي بغرض الوصول إلى السلطة".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.