يعتبر المجتمع العراقي من أكثر المجتمعات العربية تنوعاً من حيث المذاهب/ Shutterstock
يعتبر المجتمع العراقي من أكثر المجتمعات العربية تنوعاً من حيث المذاهب/ Shutterstock

بقلم إلسي مِلكونيان

يعتبر المجتمع العراقي من أكثر المجتمعات العربية تنوعاً من حيث مكوناته المذهبية والعرقية.

ولكن تقريرا أخيرا للحريات الدينية في العالم يشير إلى وجود تطرف "مفرط" يمارس في العراق خلال السنوات الماضية قد يهدد مستقبل النسيج المجتمعي.

ويصنف العراق أيضاً من ضمن الدول الذي يمارس فيها اضطهاد دون وجود بوادر حقيقية لتحسين الوضع، حسب التقرير. ويشمل هذا القتل والتعذيب والاختطاف والاغتصاب وتدمير أماكن العبادة من قبل المتطرفين كداعش في مسعى لإنهاء التنوع الديني وفرض ثقافة موحدة.

ويفسر هذا هجرة عدد كبير من المسيحيين والأيزيديين والمندائيين وغيرهم من الأقليات ويشير التقرير إلى إمكانية زوال الأقلية المسيحية ومن تبقى من الأيزيديين خلال الخمس سنوات المقبلة.

ولكن العراقيين يبذلون جهوداً كبيرة للحفاظ على الأقليات وإرساء أواصر التسامح بين المذاهب المختلفة وسط تحديات عدة.

جهود حكومية لتسوية وطنية

من جهتها، تناقش الحكومة العراقية خطة لتصويب أوضاع الأقليات، خاصة وأن تحرير الموصل وغيرها من المناطق من قبضة داعش أصبح وشيكاً.

ويوضح رئيس لجنة الأوقاف والحريات الدينية، النائب علي العلاق، أن حقوق الأقليات أصلاً يكفلها الدستور العراقي لأنه يتضمن نصوصاً حول الحرية الدينية لفئات المجتمع المختلفة.

يقول العلاق "يحفظ الدستور حقوق الأقليات الدينية والإثنية، كما أننا نرفض أن يهاجر أي منهم خارج البلاد، لأن العراق بلدهم الأم. وأريد أن أشير إلى أن الدستور يكفل حقوقهم أيضاً بإقامة مواقع للعبادة كالجوامع وغيرها والتمتع بحياة كريمة".

وأعلن النائب العراقي عن وجود مشروع لحماية النسيج المجتمعي، انطلق منذ شهور عدة، من قبل لجنة الأوقاف والشؤون الدينية، يقوم على تفعيل دور رجال الدين من علماء وخطباء على اختلاف مذاهبهم إلى جانب الأكاديميين والاختصاصين بهذا الشأن. كما يتم طرح خطة تسوية وطنية من قبل البرلمان فيها خطة شاملة تهدف إلى تحسين الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمجتمعية للمواطن العراقي على اختلاف مذهبه.

إعطاء الأقليات بصيص أمل؟

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة للحفاظ على النسيج المجتمعي من الضياع لم يكن لخطتها وقع كبير على الأقليات حسب توضيح سعد سلوم، العضو المؤسس للمجلس العراقي لحوار الأديان.

ويقول سلوم لموقع (إرفع صوتك) "من خلال عملنا مع الأقليات، لا أرى كيف تمثل خطة التسوية الحكومية بصيص أمل لهم. حتى في سياق تحرير المناطق من داعش لا توجد رسالة تدعو لتعزيز الحرية الدينية للأقليات وبالتالي لا تختلف عن التسويات السابقة". ويضيف سلوم "خاصة وأن مشاكل الأقليات ليست وليدة داعش بل تعود للتشريعات العراقية نفسها التي دفعتهم على الهجرة".

ومن هذه المشاكل الاختلاف بين النصوص وتطبيقها على أرض الواقع. ففي حالة زواج مسلم بغير المسلمين يتبع الطفل والده المسلم من دون أن يكون له حرية الاختيار عندما يكبر. 

بالتالي يجب أن ينظر للتسوية من خلال إرادة سياسية حاسمة. يقول سلوم "كيف يمكن أن نتحدث عن التسوية في ظل وجود ملفات معلقة كمناطق الأقليات المتنازع عليها وتغييب صوت الأقليات؟ إنما التسوية المطروحة تعيد إنتاج النخب السياسية الحالية من سنة وشيعة وأكراد لا أكثر".

ومع كل ذلك توجد في العراق جهود خجولة لتشجيع الحوار بين الأديان. فقد عقد مؤتمر حول الحرية الدينية في شهر كانون الثاني/يناير بمشاركة القادة الدينيين الممثلين عن الطوائف المعترف بها وغير المعترف بها. "ولكن هذا لا يمكن أن يكون مؤثراً من دون سياسات فاعلة وبعيدة المدى"، حسب سلوم.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.