من أصواتكم - تحسين الطائي
من أصواتكم - تحسين الطائي

بقلم تحسين الطائي:

رغم أن الشمس بدت أكثر دفئاً اليوم، وحتى لو كان هناك برد فأزمة الوقود انتهت مع انتهاء الدواعش في الجانب الشرقي للمدينة، كنتُ أهم بالخروج إلى شراء حاجيات للبيت من منطقة كوكجلي (على أطراف المدينة). اتصل بي ابن عمي ليخبرني بوفاة جارنا القديم (أبو أحمد) جرّاء قصف بالطائرة استهدفه مع 4 من الرجال في حي الجزائر.

أقفلت الهاتف الجوال. حزنت لرحيل الرجل الستيني، ثم سرحت قليلا. أيّ طائرة؟ تساءلت: القصف بالطائرات توقف!

وأعدت الاتصال بابن عمي مجددا. وعلى وجه السرعة سألت: أي قصف يا رجل؟ نحن محررون، حي الجزائر محررة؟

قال لي: قصف بطائرة مسيرة للدواعش كانت تحمل قنبلة كبيرة انفجرت عليهم قرب مسكنه.

في اليوم الثاني ذهبت للعزاء، لأقوم بواجب التعزية لجارنا.

سألت ابنه أحمد عن الحادث قال: كان أبي المرحوم يقف عند الناصية مع أصدقائه، وجاءت طائرة لم نلاحظها، ورمت قنبلة شديدة الانفجار، فقتلت أبي وأصدقائه ولم ينجو إلا واحد وهو بحالة خطيرة في مستشفى الحمدانية.

لم يكد يكمل أحمد كلامه حتى صرخ الرجال: طائرة مسيرة. احتموا. احتموا.

فتح كثير من أصحاب الدور المجاورة أبوابهم لكل من يسير بالشارع كي يحتمي عندهم لأن من يُسير الطائرة عن بعد يستهدف أي تجمع لمواطنين أو عسكريين.

لم أتمالك نفسي خرجت إلى الشارع أنظر بحذر. اقتربت الطائرة الصغيرة على بعد شارعين من مجلسنا، ورمت قنبلة. فتبعها دوي انفجار. بعدها ذهبت متقدما إلى الشارع الآخر. جاء بعض الناس من منطقة الانفجار. كان بينهم شاب فسألته: هل أصيب أحد؟ أين سقطت؟

قال إنها سقطت قرب محل "غازي الفيتر" (الميكانيكي) ولم يصب أحد بأذى لله الحمد.

غريبٌ أن يستهدف نفس الحي مرتان متتاليتان أمس وهذا اليوم. والغريب أن بين سقوط القنبلة الأولى التي قتل فيها جاري وبين الثانية حوالي 200 متر. كان بالإمكان إسقاطها بالسلاح المتوسط! ولكننا لا نملك السلاح.

اليوم كان حديث الشارع الموصلي هو وسائل القتل المتكررة لداعش. الناس بدأت تسير وعيونها إلى السماء. أهل الموصل على ثقة أن الله يحبهم، كثقتهم أن الدواعش يريدون قتلهم.

ظل الدواعش في الجانب الأيمن (الغربي من المدينة) إلا أن الطائرات الأكثر سوادا من قلوب داعش تسقط المتفجرات على رؤوس الناس بلا رحمة على الجانب الشرقي.

في مجلس العزاء لم يكن كيل اللعنات يبلغه العد على داعش. وتعالت أصوات الرجال، أن يسلم الناس من صانعي الموت. إلا أنهم بالوقت عينه قالوا: أين الجيش؟ كيف تتسلل طائرة من الجانب الأيمن إلى الجانب الأيسر من دون معالجة؟

تزامن مع الطائرة المسيرة اليوم سقوط عشرات القتلى من الأهالي الأبرياء بتفجير انتحاري استهدف مطعماً بحي الزهور قرب دوّار سيدتي الجميلة حيث يزدحم الناس. كان هذا الأمر مثيرا للخوف حتى أن الكثير منهم قال: هي أشهر وستعود المفخخات والعبوات والاغتيالات إلينا، لقد اخترقوا الأمن.

خوف مشروع، ولكن الأمل بدحرهم نهائيا يحتاج إلى فعل حاسم ليجعله حقيقة على الأرض.

سيدتي الجميلة:- هو دوار في حي الزهور في الموصل وهو من أجمل المناطق الراقية.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.