مشاركة من صديقة (إرفع صوتك) هبة أمجد:
أريد التكلم لكم الآن عن مرحلة أستطيع أن أسميها مرحلة الاستسلام. فبعد أشهر بدأت أيقن أن تحرير نينوى يحتاج لوقت. أدركت هذا بعد تحرير جرف النصر في محافظة بابل جنوب بغداد (بدأت عملية التحرير أواسط أكتوبر 2014 واستمرت لمطلع 2015). فكان هناك الكثير من المناطق ليصل المحررون لنا.
ومن المضحك المبكي ما حصل لامرأة كبيرة في السن حينما أراد الدواعش منها ارتداء الخمار. قالت لهم لا أستطيع فأنا مصابة بالربو. فقالوا لها ترتديه في الشتاء. فأجابت وبلا شعور: ليش راح تبقون عدنا؟
بدأت أجد بدائل لأتطور، ومع قراري بعدم الخضوع لهم وعدم ارتداء الخمار هذا يعني البقاء التام في المنزل. ومع وقت الفراغ الكبير هذا، كنت أستغل مجيء الإنترنت المتقطع فأتعلم الكثير عن كل ما يخطر ببالي وعن كل ما أجهله.
كنتُ أكتب بالغوغل كلمات مفتاحية معينة مثل: فضاء، فيزياء، كيمياء، تكنلوجيا، رياضة، فاشن وغيرها الكثير جدا. وكذلك كتب منوعة كثيرة جدا قمت بقراءتها.
كنت أجلس لأقرأ وأدرس وأحفظ كل ما يمكن أن أتعلمه. وكل ما يمكن أن أحصل عليه كنت أخزنه على الكومبيوتر. ساعدني أن لغتي الإنكليزية جيدة. قررت أن أبدأ بتعلم اللغة الفرنسية في البيت وبصورة فردية. كان الأمر صعبا جدا ولكن شعاري كان الاستمرارية. ساعدني هذا الأمر على إيجاد هدف في الحياة. احتجتُ لهذا الأمر كثيرا.
وبعد 5 أشهر تعلمتها نسبياً. بدأت أتعلم الإسبانية فكانت أقل صعوبة، وبعد أشهر عديدة أتتني الإيطالية كأنها هدية لكونها مزيج من الإنكليزية والإسبانية والفرنسية (أو هكذا بدا لي)، فأخذت مني جهدا ووقتا أقل. ولكن أصيبت يدي اليمنى بتلف بالعصب لكثرة الكتابة لأنني كنت أتعلم عبر كتابة كل كلمة جديدة حوالي 30 مرة. لم أستطع الذهاب للطبيب لكونني مستمرة بقرار عدم ارتداء الخمارـ هذا الكلام بعد حوالي سنتين من الاحتلال. فأخذت فترة راحة من الكتابة فتحسنت يدي وعدت. أما الآن مستمرة بتعلم اللغة الروسية.
لم تكن الرحلة سهلة. ولم يكن استخدام الإنترنت بلا ثمن.
داهمونا الدواعش في يوم 6 كانون الثاني/يناير 2016. أي في يوم ذكرى تأسيس الجيش العراقي. كنت عصراً قد هنأت أحد أصدقائي وهو مهندس طيار. تكلمنا عن همجية وظلم وباطل الدواعش مثل كل الرسائل الأخرى مع كل أصدقائي وصديقاتي فكنت ألعنهم بكل كلمة. كنت أستخدم جهازاً لوحياً (تابلت).
مع غروب شمس ذلك اليوم، تعطل التابلت وهو صلتي بهذا العالم الواسع. كان قديما واستخدمه كثيرا. حاولت شحنه ولكن من دون فائدة. بدا وكأنه انتهى. وكنت أدعو أن يعمل وبسرعة.
في الساعة الـ 11 ليلاً، هرعنا كلنا على صوت الجرس والطرق على الباب بعنف. وإذا بعناصر داعش وبكل سلاحهم ورعبهم في بيتنا. كنت خائفة ومرتجفة ولا أعرف ماذا يجري. كان كل ما سمعته منهم صراخهم "اجلبوا كل الهواتف وجهاز اللابتوب. ولا تتكلموا ولا بحرف". وجوههم بشعة، شعرهم الأشعث ونظرات الكره والانتقام الذي يتطاير من أعينهم تحيط بنا بكل مكان. أخذوا كل الأجهزة الإلكترونية.
عيني على التابلت بيديهم. كنت أدعو الله ألا يعمل. ولكن ماذا إن نجحوا بتشغيله؟ هذه نهايتي. سيقتلونني. كل شيء كان على هذا الجهاز الصغير. صور مشاركاتي في مؤتمرات المجتمع المدني قبل الاحتلال في مناطق الأيزيديين والمسيحيين والتركمان. في النجف وبابل. منشوراتي ورسائلي كانت هي الأخطر. غادروا بيتنا. سابقنا الريح إلى بيت جارنا. أردنا إغلاق صفحتي على الفيسبوك على أمل أن لا يستطيعوا تصفحها إذا نجحوا بتشغيل التابلت. وفجأة صرت أدعو الله ألا يعمل التابلت وأن يبقى عاطلا.
بعد ثلاثة أيام أعادوا لنا أغراضنا. فالتابلت لم يشتغل. ولأنه ظل عاطلا صار بإمكاني الكتابة لكم. نجوتُ من الموت بسبب عطل التابلت.
بعد ذلك اليوم أصابنا الرعب. تخلصنا من جرس الباب. لم نعد نريد أن نسمعه بتلك الطريقة في ذلك اليوم المرعب. وكل يوم ترنو عيوننا إلى الساعة 11 ليلا برعب.
كان ممنوع علينا استخدام الإنترنت للتواصل مع أحد خارج دولة الخرافة. وكانوا يصادرون الأجهزة الإلكترونية فجأة. لم يكونوا يريدوا أي تواصل مع العالم حتى لا تنكشف حقيقتهم ولكيلا يعرف العالم حجم ظلمهم لنا وبشاعة ما وضعونا به من فقر وخوف وضياع.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.