حديقة المدينة وسط مدينة أربيل/ارفع صوتك
حديقة المدينة وسط مدينة أربيل/إرفع صوتك

أربيل - بقلم متين أمين:

منذ احتلال تنظيم داعش للموصل في 10 حزيران/يونيو من عام 2014 ودخول التنظيم الإرهابي إلى العراق وحتى الآن، منع المواطن محمد الجاف ولديه سوران (15 عاما) وسيوان (13 عاما) من دخول المسجد خشية تأثرهم بالمتشددين وأصحاب الفكر المتطرف في مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق.

يقول محمد وهو موظف حكومي لموقع (إرفع صوتك) إنّه بعد أن شهد انضمام عدد من الشباب للتنظيم واتباعهم لأفكاره المتطرفة "وكيف يتلاعب الشيوخ ورجال الدين المتشددين بعقول الأطفال ويحثونهم على الكراهية والعنف، وما حدث من سيطرة التنظيم على الموصل وهجومه على إقليم كردستان، قررت ألا يدخل أبنائي المساجد مرة أخرى في أي مكان في العالم".

ويعتقد محمد أن الفكر المتطرف الموجود لدى البعض من رجال الدين المسلمين والأشخاص المتشددين يعتمد على مؤلفات مجموعة من الشيوخ المعروفين بمؤلفاتهم وفكرهم المتطرف في التاريخ وحثهم على العنف أمثال ابن تيمية وابن باز وابن عثيمين وغيرهم.

ورغم أن سوران النجل الأكبر لمحمد منزعج من قرار والده، إلا أنه يؤكد في حديثه لنا عن وجود أشخاص متشددين داخل المسجد ينادون للتطرف.

ويقول لموقع (إرفع صوتك) "حاول بعض الشبان المتشددين عندما كنا نُقبل على المسجد للصلاة التقرب إلينا. وبعد أيام متواصلة، دعوني إلى مجالستهم وتحدثوا عن مجموعة من التعاليم التي يجب أن يفعلها المؤمن حسب وجهة نظرهم وقالوا لي: يجب أن تمنع أختك من الدراسة ويجب أن تلبس المرأة الخمار والنقاب".

إضعاف التطرّف

يرى محمد أنّ وزارة الأوقاف في حكومة الإقليم والحكومة والمنظمات المدنية في كردستان العراق نجحت في إضعاف الفكر الإسلامي المتطرف في الإقليم من خلال مجموعة من الخطوات كمنع تداول المئات من الكتب التي تحرض على العنف والداعية للتطرف العائدة لعشرات المؤلفين، وكذلك إبعاد رجال الدين المتطرفين من المنابر، ومطالبة الآخرين بالالتزام بالفكر الوسطي المعتدل والحث على التعايش السلمي، وإجراءات أخرى.

لكن المختص في الفكر الإسلامي وعضو منتدى الفكر الإسلامي في إقليم كردستان العراق، عباس علي سليمان، يرى أنّه لا يمكن الاستناد على النصوص والمؤلفات الدينية من دون فهم زمن تأليفها.

ويُشدد لموقع (إرفع صوتك) "يجب أن ننظر أولا إلى العصر الذي أُلّفت فيه هذه الكتب، حينها ستكون قراءتنا لها مختلفة عن القراءة الحالية".

ويعطي مثالاً على ذلك مؤلفات ابن تيمية التي يرى أنّها في غالبية النصوص تحتوي على العنف. "لكننا لو نظرنا إلى حياة ابن تيمية نرى أنه عاش في عصر المغول والتتار الذين هاجموا الشرق الأوسط، لذا اتسمت كتاباته بالعنف لأنها كانت لذلك الوقت".

ويلفت سليمان إلى أن معرفة عصر تأليف الكتاب أو أي نص ديني يسري على أحاديث النبي محمد أيضا "فيجب أن ننظر أنه متى قال هذا الحديث؟ هل كان في وقت الحرب أم في وقت السلام؟".

ويوضح سليمان أن هناك مجال كبير لمراجعة هذا التراث الديني ونصوصه. ويمضي بالقول "من الممكن إجراء تفسير جديد للقرآن وللحديث، ومراجعة آراء علماء الدين وإجراء قراءة جديدة لها بحيث تتوافق مع العصر الحديث".

ويجد هذا المفكر الإسلامي أن حل موضوع التطرف والتشدد الإسلامي يكمن في أن تقدم وسائل الإعلام المفكرين والمختصين المعتدلين كي يلعبوا دورهم في توعية الناس ووضع حد للفكر المتطرف. ويشير إلى أن الذين يظهرون في الإعلام حاليا هم من حملة الفكر الإسلامي التقليدي المتطرف.

من جهته، يقترح المختص في شؤون الأديان غزوان الياس، التركيز على الإنسانية للتخلص من العنف والتطرف.

ويقول لموقع (إرفع صوتك) "باستطاعة الدول الإسلامية اتخاذ مفهوم الديموقراطية والليبرالية وإبعاد الدين عن السياسة حلا للعنف والتطرف في مجتمعاتها. فلو كانت الحكومة حكومة مدنية علمانية تؤمن بحقوق جميع الناس، حينها المتشددون -أيا كانوا- لا يستطيعون التحكم بمصائر الآخرين".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.