مشاركة من صديقة (إرفع صوتك) هبة أمجد:
ماذا أقول عن شوقي للحرية وأنا التي تعشق الجبال والطبيعة. من تلك الحياة التي كنت أتطلع لكل يوم جديد فيها، صرت حبيسة منزل لا أستطيع الوصول فيه إلى حديقته؛ كون حائط بيتنا ليس عال بما فيه الكفاية حتى يقي خوفنا من عناصر داعش. يا إلهي أي سجن هذا.
أتى الربيع، وقت السفرات والربيع الرائع بمدينة يعرفها العراقيون بـ "أم الربيعين". ولكن بوجود داعش لم يبق ربيع، حتى كأن الزهور احتجّت على أصحاب القلوب والعقول السوداء ولم تزهر.
أضعف، وأبكي بين يدي أمي: أرجوكِ أريد الخروج، فأنا لا أستطيع التنفس من شدة ضجري. وأمي المسكينة ليس بيدها شيء سوى أن نقوم بالبكاء سوية. بكاء لعجزي وعجزها. أحيانا تأتي جارتنا العجوزة إلينا فتبدأ تتكلم همساً على الدواعش بألفاظ نابية أخجل منها ولكني أفرح في سرّي.
منعوا أجهزة الستالايت، فاستخدمنا صحونا صغيرة وبالخفية. كنا نرى الصورة فقط وبلا صوت. كنا مرعوبين. جيراننا اختطف من قبل داعش لأنه من طائفة أخرى. ظللنا لسنتين نخاف من أن نخطئ بكلمة. كان عناصر داعش يتفننون ببث الرعب بين الأهالي. كان حديثهم بصوت عال مقابل صوت المواطن الخافت وسيلة من وسائل قهرهم وتمتعهم المريض بخوف الضحية.
أحيانا كنت أسمع أناشيد حربية خلسة. كنت أردد مقطعاً يستخدمه أهل وطني كثيراً، فأقول بصوت عالي: نحنُ لا نهزم ومنا عطاءُ الدم.. منتصرون إنّا. كان هذا خطراً ولكنها لحظات عناد. كان غيضي عليهم يدفعني لأشياء يحسبها من حولي جنون.
الإنترنت كان وجوده قليلاً ونستخدمه بالخفية. فيجب أن يعرفوا عنوان المستخدم لكي يهاجموه في أي لحظة. وكان هذا رعباً كافياً حتى قررنا كسر برج الاستقبال.
لم يبق في المدارس إلا أطفال الدواعش. قام داعش بفصل المعلمين (بعد أن أجبر قسما منهم على الدوام) لأنهم صاروا لا يملكون أموال الرواتب.
بقية الأطفال أصبح الشارع وعتبات دور أهلهم مكانهم البديل عن المدرسة.
ماذا أتكلم عن قلة الغذاء؟ نسينا تماما أصناف الطعام. كان لدينا بطاطا وفجل أثناء الحرب، فقط. كنت أحب البرغر والجوز والمشاوي. وأصبحت هذه الأصناف حلما. كانت الموصل تجوع. كان الملحُ أكلة الناس المفضلة. كان الناس يوصون بعضهم بأكل الملح. فلانة توصي فلانة بالإكثار منه لأنه يظهر الشرايين و "يسمن". ولم تكن تدري أنه يسبب احتباسا في الماء، وأنه مضر للصحة. صارت الأسواق خاوية. والناس تنتظر التحرير بفارغ الصبر.
لا أدوية. لا علاج. لا أطباء. وإن كانوا موجودين، فهم قليلون مقابل عدد المرضى في كل مكان.
قبل التحرير بدأ عصب سني يؤلمني جدا. لا توجد لدينا أدوية فكنت أضع عليه شاي. كان يقال مسكن للألم. وهو ينفع. كنا نعيش في عصور مظلمة.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد في الأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.