رجال شرطة خارج كنيسة في العراق/وكالة الصحافة الفرنسية
رجال شرطة خارج كنيسة في العراق/وكالة الصحافة الفرنسية

بغداد – بقلم دعاء يوسف:  

تعرف أم يحيى، 52 عاماً، تماما ما الذي دفعها للبقاء في منزلها في منطقة البلديات شرق بغداد رغم فقدانها لزوجها إبان الاقتتال الطائفي عام 2007.

تقول في حديث لموقع (إرفع صوتك) إن إحساسها بالغربة والضياع بعد مقتل زوجها كان لا يوصف. "جيراني من المسلمين هم الذين يمثلون بلدي العراق. وقفوا إلى جانبي وساعدوني على البقاء".

وتضيف "أعجز عن وصف مساندتهم لي في محنتي. ليس من السهل أن يقتل عزيزاً لديك تحت ذريعة أنه صابئي وليس بمسلم ومع ذلك تستمر في العيش بين المسلمين".

ضمّدوا جراحي العميقة

كانت أم يحيى الصابئية بعد هذا الحادث تشعر بالقلق والخوف على أبنائها الأربعة من أن يكون مصيرهم القتل. "الخوف أنك ستفقد كل من تحبهم لأنهم من ديانة مغايرة. لكن كلما كبر الخوف داخلي، زاد تقرب الجيران مني، حتى وصل بهم الحال إلى حراسة بيتي مراراً كي يكسروا عدم ثقتي بالمسلمين".

نجحت أم يحيى بعد مساندة الجيران لها في أن تعمل بمهنة زوجها في بيع الخضار بباحة منزلها الخارجية لتوفير لقمة العيش. "يحب أهالي الحي الطرشي الذي أصنعه من بقايا الخضراوات".

تحلم أم يحيى اليوم بانتهاء العنف والإرهاب من العراق. "أعرف أن أهالي بغداد من الديانة المسلمة يعانون مثلنا ويسعون للتعايش السلمي معنا ولا يرغبون بهجرتنا".

"لقد ضمدوا جراحي العميقة بحبهم ومنحوني فرصة للبدء من جديد".

جاء الدور لنرد الجميل

أما جعفر طاهر، 49 عاماً، يقول إنه قبل أيام، كان قد تكفل بدخول عائلة موصلية متكونة من ثلاث نساء وسبعة أطفال من بينهم أربع فتيات إلى بغداد.

ويضيف أن شقيقه الذي كان منتسباً في قوات الأمن العراقية اتصل به وطلب منه مساعدة هذه العائلة لأنها سبق أن ساعدته في الهرب من قبضة داعش بعد سيطرته على الموصل عام 2014.

جعفر الذي تطوع مع قوات الحشد الشعبي لمحاربة داعش هو من أبناء المذهب الشيعي وهذه العائلة الموصلية التي سارع إلى استقبالها واحتضانها من الطائفة السنية. "الكثير من أبناء الموصل من السنة ساندوا الشيعة على الهرب من داعش. لا يمكننا أن ننسى مواقفهم هذه وإنسانيتهم، وجاء الدور لنرد الجميل. لأنهم يعيشون في محنة اليوم". 

ويشير إلى أن الاضطرابات الأمنية والصراعات السياسية والانقسامات بين المسلمين الشيعة والسنة التي وقعت في البلاد لن تؤثر على العلاقة الإنسانية بين العراقيين. "لا يمكنهم أن يقتلوا طيبة العراقيين وتسامحهم وشهامتهم".

معنى أن تكون انساناً

سيظل عزيز كجو، وهو من أبناء الرعية المسيحية يتذكر ذلك اليوم الذي قرر فيه علي كريم مساعدته وهو مسلم. كان ذلك في العام 2006 عندما جاء علي وزوجته وأطفاله الثلاثة للسكن في بيت صديقه المسيحي بعدما رأى من عمليات استهداف وقتل للمسيحيين وهجرة المئات منهم.  

يقول عزيز، 57 عاماً، وهو الآن يدير محلاً لبيع المواد الغذائية ببغداد، "قرر علي أن تخرج جثته قبلي من بيتي في حال استهدافي. وقد رفضت يومها قراره هذا، لكنه أصّر وجاء بعائلته للسكن معنا وبقوا برفقتنا حتى انتهاء المحنة".

ويضيف "وقد بدأ علي الذي كان شريكي في إدارة المحل في العمل بدلا عني لتوفير قوت يومنا. كان يرفض خروجي من البيت خوفاً على حياتي".

ولم يكن عزيز الذي ولد في بغداد، ولديه الآن ابنتان، يفكر يوماً أن علي الذي كانت تربطه علاقة غير مستقرة بسبب العمل أن يقف معه بمثل هذا الموقف النبيل. "لقد علمني علي معنى أن تكون انساناً بعيداً عن كل الاختلافات".

"رغم حزني لما يحدث من إرهاب في العراق، إلا أنني تأكدت من أن العلاقة الإنسانية بين البغداديين من مختلف أديانهم ومذاهبهم هو من صفات مدينة بغداد".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.