هبة أمجد
من أصواتكم - هبة أمجد

مشاركة من صديقة (إرفع صوتك) هبة أمجد:

في ليل يوم 28/12/2016 وبعد انتظار دام 928 يوما قررنا أن نهرب. وقررنا الذهاب مع عدة عائلات، منهم عائلة من أقاربنا كان تنظيم داعش قد جلبهم من أطراف الموصل واتخذ منهم دروعا بشرية فأرادوا العودة إلى بيتهم.

بدأنا السير في الساعة 7:30 مساءً. مشينا بخوف شديد بعد أن قطعنا حوالي خمسة كيلومترات على طريق صار معروفا أنه طريق الهرب. صادفنا المئات في تلك الليلة الباردة، حتى قارب عددنا الألف ربما من كافة مناطق الموصل.

واصلنا السير في البرد الشديد. لا تكاد ترى أبعد من ربما مترين بسبب الضباب الشديد. كان هنالك عدد كبير جدا من كبار السن من النساء والرجل، وعدد أكبر من الأطفال وبكل الأعمار، من رضّع حديثي الولادة إلى عمر 12 عاماً.

أما البقية فكانوا من الشباب والشابات ممن حاولوا مساعدة كبار السن والأطفال. ولأننا مشينا في أراض متموجة فيها مرتفعات ومنخفضات، وبها طين كثير جداً فترانا خسرنا أحذيتنا في الطين. وبسبب الظلام لم يجد كثير منا أحذيتهم في تلك الليلة المظلمة الباردة. مشينا حفاة لما تبقى من الطريق، وأنا من بين أولئك الكثرة.

لم نكن نستطع تشغيل ضوء كشاف خوفاً من أن يتم رؤيتنا من قبل تنظيم داعش، أو قصفنا من قبل الطائرات. كان الجميع يحاول أن يكون هادئا وأن لا يحدث ضوضاء. لا كلام ولا رؤية، فقط نمشي في الطين، بين الشجر، والأشواك في البساتين. وثم وصلنا إلى وادٍ عمق الماء به حوالي متر. كان المنحدر صعباً. قام الشباب بمساعدة الجميع على العبور. وقاموا بحمل الكبار بالعمر والأطفال. واستمرينا بالمشي ولكننا لا نستطيع الرؤية فتهنا وأصبحنا نتحرك بصورة دائرية من دون أن ندرك. وظللنا بهذا الحال لمدة تسع ساعات.

في الساعة الخامسة فجرا، وبعد أن يأس الجميع من هذا الظلام والضباب والدوران في حلقة مفرغة قررنا الجلوس بانتظار ضوء الفجر. كان الضوء يحمل معه خطر كشفنا من قبل عناصر التنظيم.

جلسنا على الطين، على تلك الأرض الباردة جداً جدا. كان سبيلنا الوحيد للدفء أن تتراص العوائل في سبيل شيء من الدفء. بدأ الضوء يظهر ومعه رأيت ذلك البياض القليل المنتشر على  ملابسنا وعلى شعر الرجال: إنه ثلج أو قل صقيع.

فجأة أتت طائرة فقامت بقصف كثيف جداً من فوق رؤوسنا، فانبطحنا كلنا على الأرض خوفاً (كان في هذه اللحظة قد أعلن عن انطلاق الصفحة الثانية من عملية تحرير ما تبقى من الجانب الأيسر، وهو ما علمنا به لاحقا).

بدأت الهاونات والصواريخ والاطلاقات تمر من فوقنا، كنا في أرض برية مفتوحة بين الطرفين. عندما ظهرت الشمس مشينا. كان بعض الشباب يقول هذا الاتجاه خاطئ فغيرنا الاتجاه من دون أن ندري أين نحن.

لم نكن ندري أننا نسير باتجاه داعش.

 

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد في الأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.