عراقيون في مقهى/وكالة الصحافة الفرنسية
عراقيون في مقهى/وكالة الصحافة الفرنسية

بغداد - بقلم دعاء يوسف:

"أنا مسلم. وهذا يعني أن أحب لغيري ما أحب لنفسي، لأن الدين الإسلامي يدعو للتسامح والتعايش السلمي والمساواة ولا يترك مجالاً للعنف والكراهية"،  يقول حيدر ظاهر، 44 عاماً، في حديثه لموقع (إرفع صوتك).

المسيحية تتعامل بحذر

ويضيف أنّه يستغرب من التعامل مع بعض التشريعات الإسلامية المتبعة ضد الجماعات الدينية المختلفة في عصر ينظر إليها كامتداد للعنف والعنصرية. "هذه التشريعات مرتبطة بزمن يختلف عن زماننا هذا". 

ويتابع "أشعر بآثار الأفكار المتشددة في الأماكن العامة. وأرى المسيحية تتعامل بحذر مع المسلم. هي تخاف أن تصرح بحقيقة انتمائها الديني".

ويشير حيدر، الذي يدير محلا لبيع المواد الغذائية والتجهيزات المنزلية، إلى أن المشكلة التي يعاني منها هو أن غالبية الذين يعرفهم يفضلون تطبيق تفسيرات تشريعية ضيقة الأفق، وخاصة في مجال حياتهم الخاصة. "الحوار معهم حول الأفكار المتشددة لثنيهم عنها قد أثبت فشله"، على حد قوله.

عملية صعبة

إلا أن فاضل الحمداني، 54 عاماً، يرى أن تطبيق الشريعة الإسلامية في الحياة اليومية وعند التعامل مع الآخر المختلف دينياً عملية صعبة في الوقت الراهن، لأن هناك تعاليم لو حاولت الالتزام بتطبيقها كما هي لأصبحت متطرفاً بنظر الكثير منهم.

ويقول لموقع (إرفع صوتك) "لدّي أصدقاء من أديان ومذاهب مختلفة. تربطني بهم علاقات المحبة والأخوة. وجميعنا متعجبون مما يحدث من خلافات بسبب الانتماءات الدينية أو الطائفية".

ويشير فاضل، الذي يدير محلاً لبيع العدد اليدوية في سوق باب الأغا ببغداد، إلى أنه قد ابتعد كثيرا عن المتشددين لأنه يتحدثون بطريقة لا إنسانية وعنيفة عن أفراد المكونات الأخرى. "حيل بيهم هذوله الكفار. هذا ما أسمعه دوما عندما نسمع بفاجعة ألمت بجماعات مختلفة دينياً".

دمرت كل شيء جميل

ويساور ملكة ابراهيم وهي من أبناء المكون المسيحي قلقاً شديداً عند الإفصاح عن انتمائها الديني. تقول في حديث لموقع (إرفع صوتك) "ما زلت أختلط بشكل طبيعي مع الناس، لكني أخشى بعض الأحيان من الإفصاح عن انتمائي الديني بسبب ما حصل من قتل وتهجير للمسيحيين في عموم البلاد".

وتضيف "تعودنا العيش هنا بتحرر. وعلاقاتنا طيبة مع المسلمين. لكن هذه الأفكار الغربية دمرت كل شيء جميل بحياتهم".

وتشير ملكة، 47 عاماً، إلى أنها ما زالت حتى الآن تحب المسلمين لأنها قضت حياتها معهم وبينهم. لكنها في الوقت نفسه قلقة من المستقبل.

القيم النبيلة

ويعتقد علي حبيب، 52 عاماً، أنه يتبع في تعامله مع الناس تعاليم الشريعة الإسلامية المعتدلة البعيدة عن التعسف.

يقول في حديث لموقع (إرفع صوتك) "كنت في السابق لا أنتبه لمسألة الاعتدال والتشدد، لكن بعد ما حدث في البلاد بسبب التشدد الديني صرت أركز على تطبيق الشريعة بشكل معتدل".

ويضيف علي الذي يعمل سائق سيارة أجرة ببغداد أنّ "ما يهم العديد من المسلمين هو تطبيق تعاليم الشريعة الإسلامية حتى لو كان هذا الأمر من دون فهم. لذا يحدث توتر بينهم وبين الآخرين من الديانات المختلفة".

ويشير علي إلى أنه يهتم كثيراً بتعزيز القيم النبيلة في علاقاته مع أفراد المكونات الدينية المختلفة. "في تربية أطفالي أنا أحرص على تعزيز قيم التسامح وقبول الرأي الآخر وخاصة في المسائل الدينية". 

التقاليد العشائرية

ويرى محمود ناصر، 49 عاماً، أنه لا تخلو أي ديانة من المتشددين، لكن ما يؤثر على قيم التسامح والتعايش السلمي فيما بينهم العادات العشائرية التي تتمتع بامتيازات تجعلها فوق القانون.  

ويقول في حديث لموقع (إرفع صوتك) إنّ "التقاليد العشائرية تستحوذ على عقول الناس البسطاء وتشجعهم على التشدد الفكري لصالح العشيرة".

ويضيف محمود الذي يدير محلا للأجهزة الإلكترونية "المشكلة في الأفكار التي تُكفر وتُعنف غير المسلمين أو من مذاهب مختلفة كونها لم تعد تنحصر فقط على المتشددين من المسلمين بل بدأت بالانتشار بين فئات مختلفة من المجتمع".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.