من أصواتكم - عمر الحيالي
من أصواتكم - عمر الحيالي

بقلم عمر الحيالي:

وأخيراَ وجد الأسد والدب المتروكان داخل أقفاصهما في منتزه بالجانب الشرقي من مدينة الموصل من يرعاهما صحيا وهي منظمة (Four Paws) أي (المخالب الأربعة) ومقرها فيينا. قدّمت لهما رعاية صحية لأول مرة منذ انتشار قصتهما على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام منذ أكثر من شهر.

فما هي قصة هذين الحيوانين؟

أسد في القفص/عمر الحيالي

​​بعد أن أطلق أهالي المنطقة مناشدة عن وجود أسد ودب محتجزين داخل قفصيهما في حديقة حي النور العامة، بدون طعام لأكثر من 40 يوما بسبب العمليات العسكرية لتحرير الجانب الشرقي من المدينة، كانت زيارتي الأولى في نهاية شهر كانون الثاني 2017، للتعرف على القصة.

قمت بتصويرهما بهدف الترويج عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليجدا من يرعاهما، حيث كانا يجولان ويدوران داخل قفصيهما بحثا عن الطعام، لكن من دون جدوى.

فإذا بشخص يحمل معزة بعد أن ذبحها وقدمها للأسد الذي لم ينتظر أن تصل يد هذا الشخص ليقدم له اللحم، فالتقطها منه والتهمها بشراسة تدل عن جوع عميق يشعر به، لم تتحمله رفيقته في القفص اللبوة التي نفقت قبل أيام وأثار الهزال بادية على جسدها، ربما هي المرة الأولى التي تذوق بها الأسد اللحم منذ أسابيع ومثله الدب.

لأول مرة أسمع زئير الأسد بشكل حي، وليس في مقدمة فيلم من انتاج (Metro Goldwyn Mayer).

أبو معتز الذي حمل المعزة ومعها كيسين من الصمون كطعام للأسد والدب، حدثني قائلا "لدي محل لبيع طيور الزينة وسمعت من الناس بقصة الأسد والدب فقررت أن آتي لهما بالطعام فالحيوانات كائنات ضعيفة لا تتمكن من الحصول على الطعام إن كانت محتجزة، حتى وإن كانت شرسة مثل الأسد أو الدب".

بعدها قام بعض الأهالي بجلب الطعام لهما بشكل يومي، لكنه طعام غير كافي، فضلا عن الإهمال الطبي وحاجة أقفاصهما إلى التنظيف.

منضدة عليها قناني من الأدوية وأدوات متخصصة بالطب البيطري، وضعها الدكتور أمير خليل مدير المشاريع الإنمائية في منظمة (Four Paws)، الذي قدم إلى المنتزه مع مساعده يحملان الأدوية والعلاجات، كان أول ما فعله تخدير الأسد وسحبه خارج القفص بمعاونة عدد من العاملين في المنتزه، ثم عاينه وحدد عدة مشاكل صحية وأعطاه الحقن والأدوية ثم أعاده إلى قفصه، وكرر نفس العملية مع الدب. قال لي الدكتور خليل إن الحيوانات تعاني من عدة مشاكل صحية وإنها تحتاج إلى بيئة أفضل.

علاج دب في الموصل/عمر الحيالي

​​الأسد والدب هما من تبقى من أكثر من 100 حيوان كانت في هذا المنتزه أكثر من نصفها نفق من الجوع، والحيوانات الأليفة نقلها الأهالي إلى منازلهم أو البساتين لرعايتها.

وكانت عدة منظمات ومؤسسات تكفلت بإيصال الطعام لهذه الحيوانات ورعايتها لكن لحد الآن لم تحصل على أي شيء من هذه الوعود التي تشابه الوعود التي أطلقت لرعاية المدينة ومساعدة أهلها بعد تحريرهم من داعش.

ربما يقول أحدهم، قبل أن يعالجوا الحيوانات فليعالجوا ضحايا الحرب والقصف اليومي بقذائف الهاون والطائرات المسيرة من قبل تنظيم داعش على الجانب الشرقي للمدينة. أو بدلا من أن يعالجوا الأسد والدب فليعالجوا آلاف الأطفال المرضى في ظل غياب مستشفى في هذا الجانب من المدينة الذي يزيد عدد سكانه عن 600 ألف نسمة، ولا يتوفر لهم سوى أربع مراكز صحية أولية، كثيرة هي هموم واحتياجات الأهالي.

يبدو أن الأسد والدب اختزلا ملف الإهمال للأهالي الذين حرروا مؤخرا من داعش، فخرج الأهالي من قصف داعش إلى ساحة انهيار الخدمات وعدم تسديد مرتبات الموظفين وسيول المشاكل تتلاطم على جرفهم وتنحت منه كل يوم، حتى قال رئيس مجلس محافظة نينوى بشار الكيكي عبر منشور له في صفحته على موقع الفيسبوك يوم 20 شباط/فبراير "إن الحكومة الاتحادية كانت ولا زالت بخيلة جدا في دعم نينوى، وحتى مستحقات المحافظة لم تصرف، فالحكومة تتعامل مع نينوى كالطبيب الذي يتعامل مع المريض بالمسكنات والجرعات ولم تكلف نفسها بالتعامل مع الوضع الجديد من منطلق آخر ينسجم معه بحيث يؤدي إلى منع جرائم واثار داعش التخريبية".

عدت إلى المنزل، ولا أعلم لماذا أتحرى عن ملف الدب والأسد، هل هو الفضول أم هربا مما أراه من معاناة أهالي المدينة ومشاكلها؟

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

A woman walks on a road dug up by workers as part of rehabilitation public works on the outskirts of Baghdad on September 15,…
أتاح الاستقرار النسبي المتواصل منذ خمس سنوات العمل على مشاريع إنمائية في بغداد

تنعم بغداد باستقرار نسبي، بعد نزاعات مدمّرة استمرت عقوداً، أتاحت أشغال تجديد في المدينة من طرقات معبّدة ونظم صرف صحي جديدة إلى فنادق فارهة ومطاعم، وهي مشاريع تسمح للسلطات أيضاً بالدفع ببرنامج عملها أمام الرأي العام. 

فقد جعل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني من إعادة تأهيل البنية التحتية أولوية لحكومته.

في بغداد البالغ عدد سكانها تسعة ملايين نسمة، تكثر المشاريع الكبيرة لوصل الأحياء العشوائية بشبكات الكهرباء والماء وترميم الطرقات والأرصفة وبناء جسور.

وفي بلد تصدّر عناوين الصحف ووسائل الإعلام على مدى عقود جراء الحروب  والتوترات الأمنية والانفجارات، أتاح الاستقرار النسبي المتواصل منذ خمس سنوات تقريباً وإعلان الانتصار على تنظيم الدولة الاسلامية(داعش)، افتتاح مراكز تجارية ومقاه ومطاعم فاخرة. 

على ضفاف نهر دجلة، يمكن لرواد مجمع "ألف ليلة وليلة" الاختيار بين 12 مطعماً فضلاً عن سلسلة من المقاهي وصالات الاحتفالات ومتاجر وقاعة للعبة البولينغ. خلال عطلة نهاية الأسبوع، يتردد العشرات إلى المكان برفقة العائلة أو الأصدقاء لتناول الطعام أو تدخين النرجيلة وممارسة لعبة البولينغ.

وفتح المجمّع الذي بني في حديقة أحد قصور الرئيس العراقي السابق صدام حسين أبوابه أواخر العام 2022، على أرضٍ هي الآن بيد نقابة الصحافيين التي استأجرت الموقع. وأطلق المشروع "عدد من المستثمرين الشباب المختصين بالشأن السياحي"، وفق المدير التنفيذي للمشروع فلاح حسن.

ويرى حسن أن "العراق أرض خصبة للاستثمار بشكل لا يمكن تخيله" لكنه في الوقت نفسه يشير إلى وجود "معوقات" مثل "الوضع الأمني والروتين الحكومي العقيم" حيث ينبغي المرور "بألف نافذة لتتمكن من أن تأخذ ورقة موافقة واحدة".

 "مناخ الاستثمار ضعيف"

اعتبر البنك الدولي في تقرير نشر أواخر يوليو أن "مناخ الاستثمار في العراق لا يزال ضعيفاً"، مشيراً إلى "غياب تشريعات مؤاتية للشركات، ومناخ أمني غير مستقرّ، وأوجه قصور إدارية وفساد ممنهج" في إشارة إلى الرشوة.

وتسعى السلطات إلى تغيير ذلك الواقع. ويعمل رئيس الوزراء الذي أعرب مراراً عن عزمه على مكافحة الفساد، وجذب المستثمرين الكبار، لا سيما من دول الخليج.

في أواخر أغسطس، شارك السوداني في وضع حجر الأساس لفندق ريكسوس الفاخر ومجمّع سكني، وهو الاستثمار القطري الأوّل في العراق.

وقال السوداني حينها "بدءاً من رئيس الحكومة وانتهاءً بآخر موظف، سوف نكون مع المستثمر ومع الشراكة ومع القطاع الخاص الجاد في تنفيذ مشاريع الاستثمار في بغداد والمحافظات وإقليم كردستان". 

وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً، أكّد السوداني على أن حكومته جعلت محاربة الفساد "في أولوياتنا".

لكن ما الذي يقف خلف هذه "الطفرة" التنموية في بغداد؟ في مقال له نشر على موقع معهد "الدراسات الإقليمية والدولية"، التابع للجامعة الأميركية في مدينة السليمانية في إقليم كردستان، يرى الباحث حيدر الشاكري أن "الطبقة السياسية العراقية وشركائها في مجال الأعمال قرروا استثمار ثرواتهم في مشاريع محلية هي بمثابة ملجأ للأرباح التي اكتسبت بطرق غير شرعية".

ويشير الشاكري في هذا الإطار خصوصاً إلى "مجمعات سكنية فخمة ومراكز تجارية وجامعات خاصة".

لكن السلطات تعتمد سياسة تحديث البنى التحتية. وتبلغ قيمة الاستثمارات في موازنات السنوات 2023 حتى 2025، 37 مليار دولار سنوياً، وهي تقدّر بثلاثة أضعاف القيمة الفعلية للاستثمارات في العام 2022 وفق البنك الدولي.

وقد أتاحت الاحتياطات المالية الكبرى بالعملة الصعبة التي تفوق 100 مليار دولار والمكتسبة من أسعار النفط المرتفعة، إمكانية طرح تلك المبالغ في الموازنة.

"إلى متى؟"

وأنشأت الحكومة فريق الجهد الخدمي والهندسي، الذي يضمّ جهوداً وفرقاً من وزارات وشركات عامة ومهندسي الجيش والحشد الشعبي، مهمته إعادة تأهيل الأحياء العشوائية "المحرومة منذ أكثر من عشرين عاماً" من الخدمات وفق رئيس الجهد الخدمي في بغداد المهندس عبد الرزاق عبد محيسن. 

تنكّب فرق الجهد الخدمي على العمل في الأزقة الترابية في حيّ الكوفة الواقع على أطراف العاصمة. تحفر جرارات الشوارع من أجل توصيل أنابيب جديدة، فيما تقوم شاحنة بنقل الحطام.

ويقول عبد محيسن الذي يشرف على الأعمال في حي الكوفة إن "هناك أكثر من 1093 عشوائية في محافظة بغداد أعدّت الخطط لها على أن تكون الأعمال بشكل تدريجي".

وأضاف "هناك أكثر من 200 مليار دينار مخصصة لأعمال البنى التحتية من ضمنها المياه والصرف الصحي وإعادة تأهيل الشوارع".

يرحب بعض سكان تلك المنطقة بهذه التغييرات، لكن آخرين ما زالوا يشتكون من نواقص عدة في الخدمات تؤثر على حياتهم اليومية. 

ويشعر أبو علي البهادلي وهو عامل يومي في مجال البناء بفرحة غامرة إزاء هذه التحسينات في حيّه. 

ويقول "مناطقنا كانت محرومة من الخدمات بشكل تام"، مضيفاً أن الوضع في السابق كان مختلفاً، "لا نستطيع أن نخرج إلى الشارع بسبب الوحول التي تسببها الأمطار". 

إلا أن جاره أحمد راضي البالغ من العمر 45 عاماً، لا ينظر إلى الأمور بالإيجابية نفسها ويشتكي من قلة الخدمات والماء والكهرباء.

ويقول راضي وهو موظف حكومي "أعطيني مسؤولا يبقى بلا ماء ساعة واحدة. يريدون أن يعبدوا الشارع قبل إنجاز الماء. لقد تعبنا".

ويتساءل الرجل "متى يكملون الرصيف؟ متى يقومون بوضع نظام تصريف للأمطار؟"، مضيفاً "تأتي من عملك متعباً، لا كهرباء ولا ماء، المجاري منتشرة، أريد أن أعرف إلى متى؟".