أطفال أيزيديون فروا من داعش/وكالة الصحافة الفرنسية
أطفال أيزيديون فروا من داعش/وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم خالد الغالي:

قبل أيام قليلة، فجر طفلان أيزيديان نفسيهما في مدينة الموصل شمال العراق، عندما قادا سيارتين مفخختين نحو نقطتين للقوات العراقية في القسم الأيسر من المدينة.

قبل تنفيذ العملية، ظهر الطفلان أمجد وأسعد في شريط دعائي بثه تنظيم داعش، وقال إنهما ينحدران من قرية تل قصب في قضاء سنجار.

خلال عامين في صفوف داعش، تعرض الطفلان الأيزيديان لعملية غسيل دماغ جذرية. وظهرا في الشريط في غاية الفرح لأنهما "سينغمسان" في "أعداء الله" و"لو كانوا أبويهما" وينفذان "عمليتهما الاستشهاديتين". قال الطفلان اللذان تحدثا باللغة الكردية وباسمي أبي خطاب وأبي يوسف، إنهما تلقيا "دورسا شرعية" وانتسبا إلى معسكر تابع لداعش في سورية، قبل أن يسجلا نفسيهما في قائمة الانتحاريين مع انطلاق معركة الموصل. تنكر أمجد وأسعد لدينهما القديم (الأيزيدية) وقالا إنهما كانا "يعبدان الشيطان" و"يعيشان في الجاهلية".

قنابل موقوتة

كان وقع العمليتين كبيرا على معارف أمجد وأسعد. وكتب أحد أساتذتهما السابقين على صفحته في فيسبوك، مبديا ذهوله.

​أسر أمجد وأسعد خلال الهجوم الذي شنه داعش على قضاء سنجار صيف سنة 2014. وتقول النائبة في البرلمان العراقي فيان دخيل إن "عائلة هذين الشقيقين كان تعدادها 35 فردا، ولم يبق منها سوى شقيقتين تعيشان بأحد مخيمات النزوح بمحافظة دهوك.. بينما الشقيقان اللذان نفذا العملية الانتحارية هما آخر الضحايا من العائلة المنكوبة".

استعرض شريط داعش، إلى جانب الشقيقين الانتحاريين، عشرات المقاتلين الأيزيديين الصغار وهم يتدربون في إحدى معسكرات التنظيم، موضحا أن الكثير ممن سبقوهم نفذوا عمليات انتحارية. ولا يعرف عدد الأطفال الذين لا يزالون في قبضة داعش اليوم، غير أن تصريحات سابقة لمدير مكتب المخطوفين الأيزيديين في محافظة دهوك حسين كورو، حددتهم في بداية سنة 2016 في حوالي 800 طفل أيزيدي، تتراوح أعمارهم بين خمسة و18 عاماً، يتم تدريبهم في ثلاثة معسكرات في مدن البعاج والموصل في العراق والرقة في سورية.

عقد نفسية

تم تحرير 684 طفلا ذكرا و757 من الأطفال الإناث، حسب أرقام مديرية الشؤون الأيزيدية في آب/أغسطس 2016. غير أن حالة الكثير سيئة جدا. "يوجد في المخيمات أطفال بدون أباء أو أمهات. عقب تحريرهم، نقلوا إلى المخيمات رفقة الأشخاص الذين كانوا معهم في المعتقل، وما زالوا يعيشون معهم إلى اليوم"، يقول الناشط الأيزيدي فيصل كتي في تصريح لـ(إرفع صوتك) عبر الهاتف من أربيل. ويضيف "وضعية الأطفال الأيزيديين صعبة. لا يتلقون أية معالجة نفسية، بل يفتقرون حتى إلى الملابس".

في ظل هذا الوضع، يبدو مستقبل هؤلاء الأطفال مجهولا. يقول الكاتب الأيزيدي والخبير في شؤون الطائفة صائب خدر مبديا قلقه. "لا توجد مراكز إعادة تأهيل نفسي بالمعنى الحقيقي. الدولة في حالة حرب، والمؤسسات العراقية لا تملك الإمكانيات والخبرات اللازمة. التعويل على المؤسسات الدولية التي لديها خبراء في المجال".

حالة الكثير منهم غير مستقرة. يتابع صائب خدر “يملكون سلوكيات عنيفة، وأحيانا إجرامية. حاول أحدهم حرق الخيمة وقتل إخوته". القصة ذاتها أكدها فيصل كتي، الذي يوضح أن الوضع أحيانا أخطر من ذلك. "قبل 20 يوما جاءت الشرطة إلى مخيم دركاري في زاخو (مدينة في محافظة دهوك)، واعتقلت طفلا أيزيديا عمره 15 سنة، حافظ على التواصل عبر الهاتف مع داعش"، يقول الناشط الأيزيدي.

قضى هذا الطفل، الذي ينحدر من مجمع خانصور في قضاء سنجار، أكثر من عامين لدى داعش. ولم يتم تحريره إلا في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 رفقة والده، فيما لا تزال والدته مخطوفة.

تترك فترة الأسر أثارا سيئة في نفسية الأطفال الذين ينسلخون تماما من هويتهم. "يحدث أن يستيقظ أحدهم فزعا من أن تكون صلاة الفجر فاتته" يقول صائب خدر. أما فيصل كثي فيحكي أن طفلة أيزيدية في مخيم "جم مشكو" ظلت تردد دائما أن اسمها خالدة زيدان، ولا تتذكر شيئا عن أهلها، قبل أن يقوم ناشطون بنشر صورها على نطاق واسع على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ليتبين أن اسمها الحقيقي هو سولين فيصل ميعة من مجمع سيبا شيخدري في قضاء سنجار.

​​​يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

​​

 

 

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

A woman walks on a road dug up by workers as part of rehabilitation public works on the outskirts of Baghdad on September 15,…
أتاح الاستقرار النسبي المتواصل منذ خمس سنوات العمل على مشاريع إنمائية في بغداد

تنعم بغداد باستقرار نسبي، بعد نزاعات مدمّرة استمرت عقوداً، أتاحت أشغال تجديد في المدينة من طرقات معبّدة ونظم صرف صحي جديدة إلى فنادق فارهة ومطاعم، وهي مشاريع تسمح للسلطات أيضاً بالدفع ببرنامج عملها أمام الرأي العام. 

فقد جعل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني من إعادة تأهيل البنية التحتية أولوية لحكومته.

في بغداد البالغ عدد سكانها تسعة ملايين نسمة، تكثر المشاريع الكبيرة لوصل الأحياء العشوائية بشبكات الكهرباء والماء وترميم الطرقات والأرصفة وبناء جسور.

وفي بلد تصدّر عناوين الصحف ووسائل الإعلام على مدى عقود جراء الحروب  والتوترات الأمنية والانفجارات، أتاح الاستقرار النسبي المتواصل منذ خمس سنوات تقريباً وإعلان الانتصار على تنظيم الدولة الاسلامية(داعش)، افتتاح مراكز تجارية ومقاه ومطاعم فاخرة. 

على ضفاف نهر دجلة، يمكن لرواد مجمع "ألف ليلة وليلة" الاختيار بين 12 مطعماً فضلاً عن سلسلة من المقاهي وصالات الاحتفالات ومتاجر وقاعة للعبة البولينغ. خلال عطلة نهاية الأسبوع، يتردد العشرات إلى المكان برفقة العائلة أو الأصدقاء لتناول الطعام أو تدخين النرجيلة وممارسة لعبة البولينغ.

وفتح المجمّع الذي بني في حديقة أحد قصور الرئيس العراقي السابق صدام حسين أبوابه أواخر العام 2022، على أرضٍ هي الآن بيد نقابة الصحافيين التي استأجرت الموقع. وأطلق المشروع "عدد من المستثمرين الشباب المختصين بالشأن السياحي"، وفق المدير التنفيذي للمشروع فلاح حسن.

ويرى حسن أن "العراق أرض خصبة للاستثمار بشكل لا يمكن تخيله" لكنه في الوقت نفسه يشير إلى وجود "معوقات" مثل "الوضع الأمني والروتين الحكومي العقيم" حيث ينبغي المرور "بألف نافذة لتتمكن من أن تأخذ ورقة موافقة واحدة".

 "مناخ الاستثمار ضعيف"

اعتبر البنك الدولي في تقرير نشر أواخر يوليو أن "مناخ الاستثمار في العراق لا يزال ضعيفاً"، مشيراً إلى "غياب تشريعات مؤاتية للشركات، ومناخ أمني غير مستقرّ، وأوجه قصور إدارية وفساد ممنهج" في إشارة إلى الرشوة.

وتسعى السلطات إلى تغيير ذلك الواقع. ويعمل رئيس الوزراء الذي أعرب مراراً عن عزمه على مكافحة الفساد، وجذب المستثمرين الكبار، لا سيما من دول الخليج.

في أواخر أغسطس، شارك السوداني في وضع حجر الأساس لفندق ريكسوس الفاخر ومجمّع سكني، وهو الاستثمار القطري الأوّل في العراق.

وقال السوداني حينها "بدءاً من رئيس الحكومة وانتهاءً بآخر موظف، سوف نكون مع المستثمر ومع الشراكة ومع القطاع الخاص الجاد في تنفيذ مشاريع الاستثمار في بغداد والمحافظات وإقليم كردستان". 

وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً، أكّد السوداني على أن حكومته جعلت محاربة الفساد "في أولوياتنا".

لكن ما الذي يقف خلف هذه "الطفرة" التنموية في بغداد؟ في مقال له نشر على موقع معهد "الدراسات الإقليمية والدولية"، التابع للجامعة الأميركية في مدينة السليمانية في إقليم كردستان، يرى الباحث حيدر الشاكري أن "الطبقة السياسية العراقية وشركائها في مجال الأعمال قرروا استثمار ثرواتهم في مشاريع محلية هي بمثابة ملجأ للأرباح التي اكتسبت بطرق غير شرعية".

ويشير الشاكري في هذا الإطار خصوصاً إلى "مجمعات سكنية فخمة ومراكز تجارية وجامعات خاصة".

لكن السلطات تعتمد سياسة تحديث البنى التحتية. وتبلغ قيمة الاستثمارات في موازنات السنوات 2023 حتى 2025، 37 مليار دولار سنوياً، وهي تقدّر بثلاثة أضعاف القيمة الفعلية للاستثمارات في العام 2022 وفق البنك الدولي.

وقد أتاحت الاحتياطات المالية الكبرى بالعملة الصعبة التي تفوق 100 مليار دولار والمكتسبة من أسعار النفط المرتفعة، إمكانية طرح تلك المبالغ في الموازنة.

"إلى متى؟"

وأنشأت الحكومة فريق الجهد الخدمي والهندسي، الذي يضمّ جهوداً وفرقاً من وزارات وشركات عامة ومهندسي الجيش والحشد الشعبي، مهمته إعادة تأهيل الأحياء العشوائية "المحرومة منذ أكثر من عشرين عاماً" من الخدمات وفق رئيس الجهد الخدمي في بغداد المهندس عبد الرزاق عبد محيسن. 

تنكّب فرق الجهد الخدمي على العمل في الأزقة الترابية في حيّ الكوفة الواقع على أطراف العاصمة. تحفر جرارات الشوارع من أجل توصيل أنابيب جديدة، فيما تقوم شاحنة بنقل الحطام.

ويقول عبد محيسن الذي يشرف على الأعمال في حي الكوفة إن "هناك أكثر من 1093 عشوائية في محافظة بغداد أعدّت الخطط لها على أن تكون الأعمال بشكل تدريجي".

وأضاف "هناك أكثر من 200 مليار دينار مخصصة لأعمال البنى التحتية من ضمنها المياه والصرف الصحي وإعادة تأهيل الشوارع".

يرحب بعض سكان تلك المنطقة بهذه التغييرات، لكن آخرين ما زالوا يشتكون من نواقص عدة في الخدمات تؤثر على حياتهم اليومية. 

ويشعر أبو علي البهادلي وهو عامل يومي في مجال البناء بفرحة غامرة إزاء هذه التحسينات في حيّه. 

ويقول "مناطقنا كانت محرومة من الخدمات بشكل تام"، مضيفاً أن الوضع في السابق كان مختلفاً، "لا نستطيع أن نخرج إلى الشارع بسبب الوحول التي تسببها الأمطار". 

إلا أن جاره أحمد راضي البالغ من العمر 45 عاماً، لا ينظر إلى الأمور بالإيجابية نفسها ويشتكي من قلة الخدمات والماء والكهرباء.

ويقول راضي وهو موظف حكومي "أعطيني مسؤولا يبقى بلا ماء ساعة واحدة. يريدون أن يعبدوا الشارع قبل إنجاز الماء. لقد تعبنا".

ويتساءل الرجل "متى يكملون الرصيف؟ متى يقومون بوضع نظام تصريف للأمطار؟"، مضيفاً "تأتي من عملك متعباً، لا كهرباء ولا ماء، المجاري منتشرة، أريد أن أعرف إلى متى؟".