من أصواتكم - تمارة العبيدي
من أصواتكم - تمارة العبيدي

بقلم تمارة العبيدي:

منذ أن تم دحر داعش من أيسر الموصل، وأنا أيقنت أن الحياة هنا خُلقت من ألغاز السماء؛ فلقد عادت بسرعة كبيرة وبطريقة استثنائية متجاوزة كل الخراب الذي حاولت الحرب أن تلحقهُ بها، بعد أن تشكلت من بذرة أمل بسجن كان يغص باليأس من الحرية.

دمار منازل في الموصل/تمارة العبيدي

​​اليوم خرجت إلى بعض أحياء المدينة، رأيتُ الكثير من المنازل التي تهدّم طابقها العلوي بفعل القصف، من بعيد تنظر إليه لتقول لا يمكن أن يدخله أو يسكنه أحد، وعندما تقف أمام الباب تدهشك الحالة لترى أن ساكني هذا المنزل ما زالوا يسكنون به، ويمارسون حياتهم بشكل طبيعي، وكأن لا دمار يسكن منزلهم.

وأيضا مررنا بالقرب من مُجسر يربط عدة أحياء ببعضها، لم يكتمل بناؤه بعد، على حائط هذا المُجسر كان هناك زخرفة أو نقش صغير للثور المجنح (شيدو لاموسو)، كان يعُتقد في الحضارة الآشورية القديمة أن (لاموسو) هي أنثى الجن (شيدو)، وهي حامية المدن ودور العبادة؛ لهذا تم تشويه هذا النقش وإزالتهُ بكل حقد: قطعة.. قطعة، ومن دون كسل أو ملل. اعتقد تنظيم داعش أنه عندما يُزيل أي ارتباط لك يا (شيدو) بهذه المدينة سيسهل عليه أن يُخربها.

إزالة الثور المجنح من على جسور الموصل/تمارة العبيدي

​​

 

 

 

 

 

 

جسر يظهر فيه مجموعة من رموز الثور المجنح التي أزالها داعش/تمارة العبيدي

​​يفصل بين هذه النقوش الصغيرة 10 أمتار أو أقل في المُجسر، مما منحهُ هندسة رائعة بأصالة آشورية. العدد الذي استطعت أن أحسبه لهذه النقوش المسكينة كان أكثر من 60 نقشا صغيرا، ترك أثره فوق جدران هذا المُجسر مثل وشم يُذكرنا بأثار النمرود الجميلة جداً.

 

حيث أنه ذات ربيع قبل احتلال الموصل قمنا بزيارة هذه الآثار وكان (شيدو لاموسو) يقف بكل فخر كحامٍ لحضارة امتدت لآلاف السنين، والآن وبعد أن رأينا انكسار داعش أصبحت متأكدة أن لعنة (شيدو) قد حلت بهم، وما زالت.

من يجعل من الأحجار أعداء له ويقطع رؤوس التماثيل كيف لا ينتهك حقوق الإنسان؟

أما تلك الأسوار الآشورية التي تطوق المدينة من جهتها الشرقية ما زالت واضحة المعالم. بماذا كان يفكر الآشوريين عندما وضعوا تلك الأسوار حولكِ يا موصل، هل أن علماء التنجيم الآشوريين تنبؤوا بما سيحدث لآثارهم ولثورهم المجنح؟ هل قال أحدهم إنه سيأتي يوم تُستخدم كلمة "حرام" كحكم على (شيدو لاموسو) ويقُطع رأسه بعد ذلك؟ أكانوا على علم بما سيحدث، أم أنهم وضعوا تلك الأسوار حولك يا موصل لأن اعتقادهم أن مدينة مثلك لا يمكن أن تتجنب طيش الغرباء وحماقة بعض البشر الكافرين بالإنسان؟ ترُى كيف لم يدمرها داعش؟ أم إنه لم يملك الوقت لذلك أو إنها لم تشكل خطراً على ثقافته الدينية المنتفخة جداً؟

ما أستطيع أن أخبركِ به الآن وأخبر أولئك المنجمين و(شيدو) أيضاً أنه لا يمكن لأي شيء أن يمنعكِ من أن تمارسي طقوسك الخاصة كشمس حرة لن تُحجب؛ والآن جاء ربيعكِ يا أم الربيعين ليوقظكِ على حلم آشوري بعد أن طال سباتكِ.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

من عروض مسرح الدمى في الموصل
من عروض مسرح الدمى في الموصل

تسعى مؤسسة "السلام المستدام" وهي مؤسسة عراقية غير حكومية، عبر استخدام مسرح الدمى الى إعادة تأهيل الأطفال في الموصل وتخليص أذهانهم من الاثار النفسية للحرب والدمار.

وأطلقت المؤسسة في 5 سبتمبر الحالي مبادرة "مسرح الدمى" التطوعية عبر عرض مسرحي للدمى بالتعاون مع المخرج عادل العمري، بمشاركة أكثر 50 طفلاً تراوحت أعمارهم ما بين 5-12 عاما، وشملت المبادرة التي نظمت في الجانب الأيمن من الموصل تقديم مجموعة من النشاطات الفنية للأطفال المشاركين وجميعهم من وجميعهم من جانب المدينة، الذي مازال يعاني من دمار الحرب.

ويقول مدير مكتب مؤسسة "السلام المستدام" في مدينة الموصل، مهند حازم محمد، لـ"ارفع صوتك" أن فكرة المبادرة هي لـ"نشر السلم المجتمعي والتماسك المجتمعي عن طريق البذرة الأولى وهي الأطفال، لذلك هذه المبادرة تعمل على تنمية قدرات الأطفال وتوعيتهم عبر الاهتمام بالبيئة التي يعيشون فيها بشكل عام والاماكن المخصصة للعب بشكل خاص"، مشيرا الى أن المؤسسة تهدف الى صناعة مسرح ثابت للدمى داخل مقرها أو مقر مركز قليتا للتنوع الثقافي، التابع للمؤسسة الواقع في الجانب الأيمن من الموصل.

وعاش أطفال الموصل أوضاعا إنسانية صعبة في ظل الخوف والجوع  خلال أكثر من 3 سنوات من سيطرة تنظيم داعش على مدينتهم، ومازالت مخيلة الأطفال الذين عاصروا التنظيم تحتفظ بمشاهد القتل والتعذيب، الذي كان مسلحو داعش ينفذونها في الموصل ضد أهالي المدينة والمناهضين لـ"داعش"، الى جانب عمل التنظيم الإرهابي  عبر مكاتبه الإعلامية التي كانت منتشرة في احياء المدينة  على نشر فكره بين الأطفال وغسل ادمغتهم، ولم تتوقف مأساة الأطفال هنا، بل زادت عمقا وسط الدمار الذي خلفه التنظيم والمعارك التي شهدتها المدينة للتخلص منه. وكانت للموصل القديمة من اعمال التدمير حصة الأسد لأن المعارك النهائية لتحرير المدينة تركزت فيها.

فريق مسرح الدمى في مؤسسة "السلام المستدام"

ويوضح محمد أسباب تركيز المبادرة على الموصل القديمة، "استهدفت المبادرة المدينة القديمة وتحديدا حي سوق الشعارين المحاذي لجامع النبي جرجيس لان هذه المنطقة عانت ما عانته من دمار ولا توجد فيها ساحات أو مناطق مخصصة للعب الأطفال. تحتوي فقط شوارع، وغالبا أطفال هذه المنطقة يلعبون في الشوارع، لذلك ركزنا على موضوع لعب الأطفال في الأماكن الآمنة".

وتستعد المؤسسة حاليا لتنظيم 3 عروض مسرحية أخرى ضمن مبادرة مسرح الدمى، يشمل الأول التوعية بالنظافة الشخصية، والثاني موضوع القلم والممحاة الذي يحتوي على رسائل حول اهمية الكتابة والقراءة بالنسبة للطفل، واما الثالث سيكون عن النزوح وتأثيره على تنشئة الأطفال وفهم أهمية الاهتمام بالآخرين والاهتمام بالعائلة والقيم وبر الوالدين.

 وتعمل المؤسسة على ترسيخ ثقافة السلم المجتمعي من خلال عرض مسرحيات دمى، التي تهتم مواضيعها بالتعايش السلمي والسلم المجتمعي ونبذ خطاب الكراهية والعنف.

ويضيف محمد "نخطط لمسرح ثابت بأدوات ثابتة وبالتعاون مع أكاديميين متخصصين في مجال مسرح الدمى لتوعية هذا الجيل كي نبدأ بداية صحيحة للنهوض بواقع المدينة وحماياتها من أي فكر يؤذيها ويدمرها".

ويؤكد محمد على أن مشروع المسرح الثابت سيتضمن تصوير مسرحيات الدمى التي تعرض، ومن ثم نشرها على الانترنت ليشاهدها الأطفال في كافة أنحاء العالم وليس فقط الموصل، و"يرى العالم أن هذه المدينة التي كانت منكوبة قادرة على الرجوع لدورها الأساسي".

وفي منتصف يوليو عام 2017 عندما كانت معارك تحرير مدينة الموصل تقترب من الانتهاء، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة " اليونيسف" في بيان أن "جراح الأطفال الجسدية والنفسية العميقة سوف تستغرق وقتاً أطول لتلتئم. وقد تكبد نحو 650,000 طفل من الصبيان والبنات الذين عاشوا كابوس العنف في الموصل، ثمناً باهضاً وعانوا الكثير من الأهوال على مدى 3 سنوات".

وتؤكد المتخصصة في علم النفس هاجر العبدالله الزبيدي، على أن مبادرة مسرح الدمى ولعب الأطفال يعززان من قدرة الطفل على فهم البيئة المحيطة به.

وتضيف الزبيدي لـ"ارفع صوتك": "لهذه النشاطات تأثير كبير جدا يُسهم في تقوية ثقة الطفل بنفسه وبقدرته على حلّ المشاكل التي يمكن أن تعترض سبيله لوحده من خلال مساعدة دميته والتفاعل مع البيئة التي يعيش فيها".

وتشير الزبيدي الى حاجة أطفال الموصل للدعم والمساعدة من أجل التخلص من الصدمات التي تعرضوا لها والتخلص من الماضي واثاره وهذا يكون "عبر إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع عبر مجموعة من الوسائل كممارسة الألعاب ومنها الدمى ومشاهدة المسرحيات وغيرها من الوسائل الترفيهية".