بقلم تمارة العبيدي:
منذ أن تم دحر داعش من أيسر الموصل، وأنا أيقنت أن الحياة هنا خُلقت من ألغاز السماء؛ فلقد عادت بسرعة كبيرة وبطريقة استثنائية متجاوزة كل الخراب الذي حاولت الحرب أن تلحقهُ بها، بعد أن تشكلت من بذرة أمل بسجن كان يغص باليأس من الحرية.
اليوم خرجت إلى بعض أحياء المدينة، رأيتُ الكثير من المنازل التي تهدّم طابقها العلوي بفعل القصف، من بعيد تنظر إليه لتقول لا يمكن أن يدخله أو يسكنه أحد، وعندما تقف أمام الباب تدهشك الحالة لترى أن ساكني هذا المنزل ما زالوا يسكنون به، ويمارسون حياتهم بشكل طبيعي، وكأن لا دمار يسكن منزلهم.
وأيضا مررنا بالقرب من مُجسر يربط عدة أحياء ببعضها، لم يكتمل بناؤه بعد، على حائط هذا المُجسر كان هناك زخرفة أو نقش صغير للثور المجنح (شيدو لاموسو)، كان يعُتقد في الحضارة الآشورية القديمة أن (لاموسو) هي أنثى الجن (شيدو)، وهي حامية المدن ودور العبادة؛ لهذا تم تشويه هذا النقش وإزالتهُ بكل حقد: قطعة.. قطعة، ومن دون كسل أو ملل. اعتقد تنظيم داعش أنه عندما يُزيل أي ارتباط لك يا (شيدو) بهذه المدينة سيسهل عليه أن يُخربها.
يفصل بين هذه النقوش الصغيرة 10 أمتار أو أقل في المُجسر، مما منحهُ هندسة رائعة بأصالة آشورية. العدد الذي استطعت أن أحسبه لهذه النقوش المسكينة كان أكثر من 60 نقشا صغيرا، ترك أثره فوق جدران هذا المُجسر مثل وشم يُذكرنا بأثار النمرود الجميلة جداً.
حيث أنه ذات ربيع قبل احتلال الموصل قمنا بزيارة هذه الآثار وكان (شيدو لاموسو) يقف بكل فخر كحامٍ لحضارة امتدت لآلاف السنين، والآن وبعد أن رأينا انكسار داعش أصبحت متأكدة أن لعنة (شيدو) قد حلت بهم، وما زالت.
من يجعل من الأحجار أعداء له ويقطع رؤوس التماثيل كيف لا ينتهك حقوق الإنسان؟
أما تلك الأسوار الآشورية التي تطوق المدينة من جهتها الشرقية ما زالت واضحة المعالم. بماذا كان يفكر الآشوريين عندما وضعوا تلك الأسوار حولكِ يا موصل، هل أن علماء التنجيم الآشوريين تنبؤوا بما سيحدث لآثارهم ولثورهم المجنح؟ هل قال أحدهم إنه سيأتي يوم تُستخدم كلمة "حرام" كحكم على (شيدو لاموسو) ويقُطع رأسه بعد ذلك؟ أكانوا على علم بما سيحدث، أم أنهم وضعوا تلك الأسوار حولك يا موصل لأن اعتقادهم أن مدينة مثلك لا يمكن أن تتجنب طيش الغرباء وحماقة بعض البشر الكافرين بالإنسان؟ ترُى كيف لم يدمرها داعش؟ أم إنه لم يملك الوقت لذلك أو إنها لم تشكل خطراً على ثقافته الدينية المنتفخة جداً؟
ما أستطيع أن أخبركِ به الآن وأخبر أولئك المنجمين و(شيدو) أيضاً أنه لا يمكن لأي شيء أن يمنعكِ من أن تمارسي طقوسك الخاصة كشمس حرة لن تُحجب؛ والآن جاء ربيعكِ يا أم الربيعين ليوقظكِ على حلم آشوري بعد أن طال سباتكِ.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.