أعضاء فريق طبي- انساني أميركي يستعد لتقديم الخدمات لضحايا داعش من أهالي الموصل/وكالة الصحافة الفرنسية
أعضاء فريق طبي- انساني أميركي يستعد لتقديم الخدمات لضحايا داعش من أهالي الموصل/وكالة الصحافة الفرنسية

المصدر - فايننشال تايمز 

فيما تسعى المؤسسات العامة والخاصة إلى استعادة حياتها الطبيعية في الجانب الأيسر (المحرر) من الموصل، يجاهد مسعفون وموظفون صحيون لتطهير مستشفى ابن الأثير للأطفال من إرث داعش، مستذكرين كيف استولى المسلحون على جناح في الطابق العلوي كانوا يمارسون فيه وعبر جلسات سرية عمليات "طرد الأرواح الشريرة".

هذا مدخل مشوق لقصة من الموصل كتبتها الصحافية أريكا سولومون في صحيفة "فايننشال تايمز"، تنقل فيها عن باسم علي الربيعي وزملائه الذين كانوا يعالجون مرضى السرطان في الطابق الأرضي، فيما كانوا يسمعون أصوات الضرب وصرخات مقاتلي داعش الهاربين والذين يخضعون لـ"العلاج" الضامن لطرد الأرواح الشريرة التي سكنتهم.

الآن يقوم الموظفون في المستشفى الموصلي بطرد الأرواح الشريرة حقا. وشيئا فشيئا، يعملون على إزالة آثار ما تعرضوا له خلال ما يقرب من ثلاث سنوات من حكم داعش، وما خلفه عناصره بما يوجب الغسل والتنظيف والتعقيم.

وتنقل سولومون عن مدير قسم الأورام في المستشفى، السيد الربيعي، أن "بعض المرضى ينتظرون الآن في بيوتهم، وآخرون يعالجون في المستشفيات بمحافظات أخرى. وفي علم الأورام لا بد من وجود جدول زمني محدد لديك لعلاج الناس ولا يمكنك الوصول إلى هذا مع الفوضى الحالية، لذا علينا أن نبدأ العمل".

قضى العديد عقودا من العمل في مستشفى ابن الأثير، الذين جاؤوا على الفور بعد تحرير المنطقة لجمع التبرعات، الصغيرة والكبيرة من السكان المحليين الذين يمكنهم طلاء الجدران، تغيير الأسلاك الكهربائية، إلى الأطباء الذين فروا من المكان إلى مناطق تبعد اليوم آلاف الأميال، لكنهم يرسلون المعدات الطبية الباهظة التكاليف. هذه الحملة هي جزء من موجة من الجهود المجتمعية لإعادة إحياء المناطق التي راحت ضحية الإرهابيين والضعف الحكومي.

وفي المناطق خارج الموصل يعمل المواطنون على تنظيف الساحات داخل المدينة وتجديدها، وفيما كانت الجدران تحمل شعارات داعش المحذرة للسكان من الولاء للحكومة العراقية، ها هي الحمائم البيضاء تحمل أغصان الزيتون وهاشتاغ "خلوها أجمل"، في إشارة إلى حملة لإعادة بناء ما تهدم على الرغم من حقيقة أن معظم سكان الموصل لم يتلقوا أجورهم منذ نحو عامين، لا سيما أن أكثر من نصف المدينة تعتمد على أجور الموظفين المدنيين.

ويقول باسم الربيعي إنه وبعد أن اضطر إلى بيع ممتلكات عائلته للبقاء على قيد الحياة، وبعد بدء معركة تحرير شرق الموصل، كان عليه أن يطلب من زوجته أن تتخلى عن خاتم زفافهما حتى يتمكن من شراء الرز والطحين. "قلت لها إنني سأشتري لها عشرة خواتم في يوم من الأيام بدلا عنه"، موضحا "لكن القيمة العاطفية التي ضاعت مع الخاتم هي ما جعلتني أشعر بالحزن."

وفي تقرير الصحيفة يقول مسؤولون حكوميون إنه سيتم دفع رواتب في الأشهر المقبلة بعد أن يتم التدقيق من موظفي الخدمة المدنية للتحقق من احتمالات أي صلات قد أقامها بعضهم مع داعش.

إفلاس الحكومة وفسادها

ويلفت التقرير  إلى أن الرواتب المتأخرة عن موظفي مناطق الموصل بقيمة إجمالية تبلغ من مليونين ونصف المليون إلى ثلاثة ملايين دولار شهريا، كما ينقل عن مسؤول محلي رفض الكشف عن هويته والذي يقول "الحكومة مفلسة، وهي تذهب إلى استخدام قضية الأمن ما في وسعها ذلك للتغطية الفشل والإفلاس".

ومثل معظم العراقيين، فإن موظفي مستشفى ابن الأثير قلقون أيضا من الفساد الذي هو "مشكلة كبيرة في نظام الإدارة في العراق وعميقة بعمق المحسوبية السياسية". ونتيجة لذلك، فقد حث الموظفون الصحيون والعناصر الطبية على عدم الذهاب للحكومة والاعتماد بدلا من ذلك على شراء الاحتياجات اللازمة والتبرعات (سواء كان ذلك من أجل بلاط الأرضيات أو آلات فحص الدم).

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

A woman walks on a road dug up by workers as part of rehabilitation public works on the outskirts of Baghdad on September 15,…
أتاح الاستقرار النسبي المتواصل منذ خمس سنوات العمل على مشاريع إنمائية في بغداد

تنعم بغداد باستقرار نسبي، بعد نزاعات مدمّرة استمرت عقوداً، أتاحت أشغال تجديد في المدينة من طرقات معبّدة ونظم صرف صحي جديدة إلى فنادق فارهة ومطاعم، وهي مشاريع تسمح للسلطات أيضاً بالدفع ببرنامج عملها أمام الرأي العام. 

فقد جعل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني من إعادة تأهيل البنية التحتية أولوية لحكومته.

في بغداد البالغ عدد سكانها تسعة ملايين نسمة، تكثر المشاريع الكبيرة لوصل الأحياء العشوائية بشبكات الكهرباء والماء وترميم الطرقات والأرصفة وبناء جسور.

وفي بلد تصدّر عناوين الصحف ووسائل الإعلام على مدى عقود جراء الحروب  والتوترات الأمنية والانفجارات، أتاح الاستقرار النسبي المتواصل منذ خمس سنوات تقريباً وإعلان الانتصار على تنظيم الدولة الاسلامية(داعش)، افتتاح مراكز تجارية ومقاه ومطاعم فاخرة. 

على ضفاف نهر دجلة، يمكن لرواد مجمع "ألف ليلة وليلة" الاختيار بين 12 مطعماً فضلاً عن سلسلة من المقاهي وصالات الاحتفالات ومتاجر وقاعة للعبة البولينغ. خلال عطلة نهاية الأسبوع، يتردد العشرات إلى المكان برفقة العائلة أو الأصدقاء لتناول الطعام أو تدخين النرجيلة وممارسة لعبة البولينغ.

وفتح المجمّع الذي بني في حديقة أحد قصور الرئيس العراقي السابق صدام حسين أبوابه أواخر العام 2022، على أرضٍ هي الآن بيد نقابة الصحافيين التي استأجرت الموقع. وأطلق المشروع "عدد من المستثمرين الشباب المختصين بالشأن السياحي"، وفق المدير التنفيذي للمشروع فلاح حسن.

ويرى حسن أن "العراق أرض خصبة للاستثمار بشكل لا يمكن تخيله" لكنه في الوقت نفسه يشير إلى وجود "معوقات" مثل "الوضع الأمني والروتين الحكومي العقيم" حيث ينبغي المرور "بألف نافذة لتتمكن من أن تأخذ ورقة موافقة واحدة".

 "مناخ الاستثمار ضعيف"

اعتبر البنك الدولي في تقرير نشر أواخر يوليو أن "مناخ الاستثمار في العراق لا يزال ضعيفاً"، مشيراً إلى "غياب تشريعات مؤاتية للشركات، ومناخ أمني غير مستقرّ، وأوجه قصور إدارية وفساد ممنهج" في إشارة إلى الرشوة.

وتسعى السلطات إلى تغيير ذلك الواقع. ويعمل رئيس الوزراء الذي أعرب مراراً عن عزمه على مكافحة الفساد، وجذب المستثمرين الكبار، لا سيما من دول الخليج.

في أواخر أغسطس، شارك السوداني في وضع حجر الأساس لفندق ريكسوس الفاخر ومجمّع سكني، وهو الاستثمار القطري الأوّل في العراق.

وقال السوداني حينها "بدءاً من رئيس الحكومة وانتهاءً بآخر موظف، سوف نكون مع المستثمر ومع الشراكة ومع القطاع الخاص الجاد في تنفيذ مشاريع الاستثمار في بغداد والمحافظات وإقليم كردستان". 

وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً، أكّد السوداني على أن حكومته جعلت محاربة الفساد "في أولوياتنا".

لكن ما الذي يقف خلف هذه "الطفرة" التنموية في بغداد؟ في مقال له نشر على موقع معهد "الدراسات الإقليمية والدولية"، التابع للجامعة الأميركية في مدينة السليمانية في إقليم كردستان، يرى الباحث حيدر الشاكري أن "الطبقة السياسية العراقية وشركائها في مجال الأعمال قرروا استثمار ثرواتهم في مشاريع محلية هي بمثابة ملجأ للأرباح التي اكتسبت بطرق غير شرعية".

ويشير الشاكري في هذا الإطار خصوصاً إلى "مجمعات سكنية فخمة ومراكز تجارية وجامعات خاصة".

لكن السلطات تعتمد سياسة تحديث البنى التحتية. وتبلغ قيمة الاستثمارات في موازنات السنوات 2023 حتى 2025، 37 مليار دولار سنوياً، وهي تقدّر بثلاثة أضعاف القيمة الفعلية للاستثمارات في العام 2022 وفق البنك الدولي.

وقد أتاحت الاحتياطات المالية الكبرى بالعملة الصعبة التي تفوق 100 مليار دولار والمكتسبة من أسعار النفط المرتفعة، إمكانية طرح تلك المبالغ في الموازنة.

"إلى متى؟"

وأنشأت الحكومة فريق الجهد الخدمي والهندسي، الذي يضمّ جهوداً وفرقاً من وزارات وشركات عامة ومهندسي الجيش والحشد الشعبي، مهمته إعادة تأهيل الأحياء العشوائية "المحرومة منذ أكثر من عشرين عاماً" من الخدمات وفق رئيس الجهد الخدمي في بغداد المهندس عبد الرزاق عبد محيسن. 

تنكّب فرق الجهد الخدمي على العمل في الأزقة الترابية في حيّ الكوفة الواقع على أطراف العاصمة. تحفر جرارات الشوارع من أجل توصيل أنابيب جديدة، فيما تقوم شاحنة بنقل الحطام.

ويقول عبد محيسن الذي يشرف على الأعمال في حي الكوفة إن "هناك أكثر من 1093 عشوائية في محافظة بغداد أعدّت الخطط لها على أن تكون الأعمال بشكل تدريجي".

وأضاف "هناك أكثر من 200 مليار دينار مخصصة لأعمال البنى التحتية من ضمنها المياه والصرف الصحي وإعادة تأهيل الشوارع".

يرحب بعض سكان تلك المنطقة بهذه التغييرات، لكن آخرين ما زالوا يشتكون من نواقص عدة في الخدمات تؤثر على حياتهم اليومية. 

ويشعر أبو علي البهادلي وهو عامل يومي في مجال البناء بفرحة غامرة إزاء هذه التحسينات في حيّه. 

ويقول "مناطقنا كانت محرومة من الخدمات بشكل تام"، مضيفاً أن الوضع في السابق كان مختلفاً، "لا نستطيع أن نخرج إلى الشارع بسبب الوحول التي تسببها الأمطار". 

إلا أن جاره أحمد راضي البالغ من العمر 45 عاماً، لا ينظر إلى الأمور بالإيجابية نفسها ويشتكي من قلة الخدمات والماء والكهرباء.

ويقول راضي وهو موظف حكومي "أعطيني مسؤولا يبقى بلا ماء ساعة واحدة. يريدون أن يعبدوا الشارع قبل إنجاز الماء. لقد تعبنا".

ويتساءل الرجل "متى يكملون الرصيف؟ متى يقومون بوضع نظام تصريف للأمطار؟"، مضيفاً "تأتي من عملك متعباً، لا كهرباء ولا ماء، المجاري منتشرة، أريد أن أعرف إلى متى؟".