بقلم تمارة العبيدي:
بالقرب من منزلنا في الجانب الأيسر من الموصل، توجد مساحة يلعب بها الأطفال كرة قدم، وهي مخالفة لجميع أنظمة وشروط اللعب في العالم المتحضر لكن أطفال الحي لم يخضعوا لهذه الأنظمة. يحيط بهذه المساحة مكب للنفايات، تراكم منذ مدة بسبب عدم وجود عمال النظافة. كل هذه الأمور لا تهمهم مطلقاً المهم أن يلعبوا فقط.
اليوم مررنا بالقرب من هذه الساحة، لنرى هيكل سيارة مفخخة كانت قد أنفجرت أو تم تفجيرها خلال فترة الحرب ضد داعش. اتخذها الاطفال كتسلية لهم. يلعبون فوقها ويقفزون ويضحكون بأصوات عالية عندما تميل وتتحرك بهم. دقائق قليلة وأنا أراقبهم من بعيد، خلالها انقسموا إلى فريقين، كل فريق اتخذ من أحد أطراف الهيكل المحترق مكاناً له.
الهيكل يرتفع وينخفض وهم يضحكون وأحياناً يصرخون، بفرح شديد، كأنهم عندما يرتفع أحد الأطراف يجب أن ترتفع أصواتهم، فهم في هذه اللحظة يحلقون في الفضاء، وهيكل السيارة يمنحهم كل ما يريدون وبكل مودة وتنفيذاً لرغباتهم الصغيرة في اللعب.
ربما لأن هذا الهيكل يحاول التكفير عن سيئاته لأنه كان قبل أيام قليلة مضت أداة تحاول قتلهم، وإنهاء طفولتهم، وإسكات أصوات ضحكهم، وتدمير منازلهم ومدارسهم.
صار لهؤلاء الأطفال فرصة جديدة في التعلم وممارسة حياة طبيعية؛ ففي الكثير من الأحياء افتتحت مدارسهم بعد أن كانوا فقدوا حقهم في التعليم في زمن داعش؛ ولذلك تجد في الموصل عشرات الأطفال في عمر الدراسة وهم أميون لا يعرفون القراءة والكتابة. حرمهم داعش من أبسط حقوقهم.
قصصهم وقصص خوفهم كثيرة ولا تنتهي. ذات مرة كان أحد الأطفال يجلس بقربي وعندما سمع صوت الرصاص بدأ يضحك ويصفق عالياً، ضحكت معه، نسينا أنا وهو ما يحدث وعندما توقف الصوت سكت هو.. عرفت في حينها أن هذا أسلوبه في تجنب سماع صوت الموت.
في النهار لا يهمهم الأمر مطلقاً ولكن في المساء كانت هذه الأصوات تتحول إلى أمور مرعبة لا يستطيع عقلهم تحملها، فيبدأ هذا الطفل بالبكاء.
هذه كانت طريقة معظم الاطفال الذين أعرفهم.
والآن ورغم أن الاوضاع أحيانا وبشكل نسبي تصبح خطرة، إلا أنهم يلعبون ويمرحون بكل حرية. لكن هناك من الأطفال من يتحمل مسؤولية إعالة عوائل وهو لا يتجاوز عمره بضعة أعوام.
أطفال فقدوا آبائهم أو منازلهم وعلى المجتمع مسؤولية الاعتناء بهؤلاء؛ ففي رعايته لهم تتجلى حقيقة روحه.
ويجب علينا أن ننتبه إلى أن في مرحلة ما بعد داعش سنواجه مشكلة التهرب من المدرسة وخصوصاً ممن أصبح وبعمر صغير جداً المعيل الوحيد للعائلة.. أعرف منهم الكثير، ونسبة الفقر في هذا الوقت مرتفعة جداً.
قبل فترة قصيرة رأيت أحد الأطفال، كان عمره حوالي 10 أعوام، يدفع عربة تحمل الكثير من النفايات، عندما ذهب بعيداً، سألت عن الموضوع فقالوا يأخذون هذه النفايات، يقومون بفرزها وأخذ ما يحتاجون ثم يبيعون ما هو صالح للبيع.
الكثير منهم لم يعد لديهم شيء يعتمدون عليه؛ لذا يضطرون للعمل. هؤلاء لهم الحق في أن نعتني بهم، فمع اقتراب افتتاح المدارس في بعض المناطق يجب عمل المزيد لإرجاعهم إلى مدارسهم وتوفير ما يحتاجون من مستلزمات ومسح ذلك الحزن الأسود الذي بدأ يسكن ملامحهم.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.