أيزيديات في مخيم/وكالة الصحافة الفرنسية
أيزيديات في مخيم/وكالة الصحافة الفرنسية

بغداد – بقلم دعاء يوسف:  

عندما علمت سهى (اسم مستعار) أنّها قد تقتل، قررت أن تخطو خطوة أخيرة في الهرب مع قريناتها الثلاث من داعش.

كانت سهى عندها تبلغ 27 عاماً، وهي من الأقلية الأيزيدية، تعيش مع زوجها في المجمع السكني – مجمعات تشرين - بسنجار الذي يقع في غرب محافظة نينوى.

كان ذلك في عام 2014. وقتها، أخبرها أهلها أنهم سيهربون من قرى سنجار التي عادوا للسكن فيها بعد عام 2003، بينما بقيت أسرة سهى في المجمع السكني حتى بعد زواجها. "هربوا تباعاً نحو جبل سنجار. لكني لم أستطع اللحاق بهم".

كان دخول داعش في بداية الأمر لهذا المجمع الأمر الذي اضطر الجميع للهرب، لكن المسألة كانت في غاية الصعوبة لتوفر سيارة واحدة فقط مما دفعهم إلى التنقل على شكل دفعات متعددة "وهذا الأمر كان يعني فقدان الكثير من البنات والنساء"، تشرح سهى.

كان زوجها في دفعة سبقتها من الهاربين على أن تلحق به. لكنها لم تستطع.

"حاصرنا عناصر من داعش حين كنت برفقة ثلاثة من بنات الجيران لحظة كنا نحاول الهرب"، تقول سهى.  

الاغتصاب أو البيع أو القتل

ظلت سهى مع قريناتها بنات الجيران في قبضة داعش لأكثر من أربعة أشهر لم يستطع "المسؤول عنهن من داعش" وهو عراقي الجنسية، بيعهن بسرعة في سوق الرقيق - وهو لبيع وشراء الأيزيديات - مثل الباقيات. "لقد كانوا يغتصبون البنات الأكثر جمالا فيما بيننا. بعضهن صغيرات جدا قبل بيعهن. ويعزلون المتزوجات لحين بيعهن. كانوا يفضلون الفتاة البكر".

وتضيف "لقد فرقوا كل فتاة عن أمها. وأخذوا الأطفال الذكور بعيدا عنهن. كنا ننتظر بيعنا في سوق الرقيق. هكذا كانوا يهددونا دوماً إما الاغتصاب أو البيع أو القتل".

تعذيبهن جسدياً

وتسرد سهى لما شاهدته قائلة "لقد هربت فتيات كثيرات، لكنهم كانوا يمسكون بهن فيعمدون إلى تعذيبهن جسدياً، وإذ ما حاولن الهروب من جديد يقومون بقتلهن".

لكن بعد بدء عمليات تحرير المنطقة ونتيجة لتزايد القصف تمكنت سهى ومن معها من الفرار. "لقد ركضنا نحو جبل سنجار وبقيت هناك ثلاثة أشهر وبعدها سافرت مع زوجي إلى ألمانيا".

تعيش سهى اليوم مع زوجها بعد أن أنجبت طفلاً، بينما تسكن عائلتها في مخيم في كردستان العراق.

على الرغم من أنّها نجت من داعش، إلّا أن تبعات ما عاشته سهى لم تنتهِ. كان صوتها يختنق أحياناً وهي تتحدّث معنا عبر الهاتف. حتّى أن احتجازها من قبل داعش أثّر بشكل كبير بشقيقها الذي انحرف صوب المخدّرات وبات اليوم مدمناً.

تقول إنّها محظوظة كونها تمكّنت من السفر، لكنّها تشير إلى أن عائلتها ما زالت تنتظر حتى الآن موافقات اللجوء لغرض السفر. "لم يعد يبقى في هذا البلد ما يربطنا به. ولا نستطيع العودة إلى سنجار لأنها لم تعد في أمان ولن تكون في أمان".

 يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

A woman walks on a road dug up by workers as part of rehabilitation public works on the outskirts of Baghdad on September 15,…
أتاح الاستقرار النسبي المتواصل منذ خمس سنوات العمل على مشاريع إنمائية في بغداد

تنعم بغداد باستقرار نسبي، بعد نزاعات مدمّرة استمرت عقوداً، أتاحت أشغال تجديد في المدينة من طرقات معبّدة ونظم صرف صحي جديدة إلى فنادق فارهة ومطاعم، وهي مشاريع تسمح للسلطات أيضاً بالدفع ببرنامج عملها أمام الرأي العام. 

فقد جعل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني من إعادة تأهيل البنية التحتية أولوية لحكومته.

في بغداد البالغ عدد سكانها تسعة ملايين نسمة، تكثر المشاريع الكبيرة لوصل الأحياء العشوائية بشبكات الكهرباء والماء وترميم الطرقات والأرصفة وبناء جسور.

وفي بلد تصدّر عناوين الصحف ووسائل الإعلام على مدى عقود جراء الحروب  والتوترات الأمنية والانفجارات، أتاح الاستقرار النسبي المتواصل منذ خمس سنوات تقريباً وإعلان الانتصار على تنظيم الدولة الاسلامية(داعش)، افتتاح مراكز تجارية ومقاه ومطاعم فاخرة. 

على ضفاف نهر دجلة، يمكن لرواد مجمع "ألف ليلة وليلة" الاختيار بين 12 مطعماً فضلاً عن سلسلة من المقاهي وصالات الاحتفالات ومتاجر وقاعة للعبة البولينغ. خلال عطلة نهاية الأسبوع، يتردد العشرات إلى المكان برفقة العائلة أو الأصدقاء لتناول الطعام أو تدخين النرجيلة وممارسة لعبة البولينغ.

وفتح المجمّع الذي بني في حديقة أحد قصور الرئيس العراقي السابق صدام حسين أبوابه أواخر العام 2022، على أرضٍ هي الآن بيد نقابة الصحافيين التي استأجرت الموقع. وأطلق المشروع "عدد من المستثمرين الشباب المختصين بالشأن السياحي"، وفق المدير التنفيذي للمشروع فلاح حسن.

ويرى حسن أن "العراق أرض خصبة للاستثمار بشكل لا يمكن تخيله" لكنه في الوقت نفسه يشير إلى وجود "معوقات" مثل "الوضع الأمني والروتين الحكومي العقيم" حيث ينبغي المرور "بألف نافذة لتتمكن من أن تأخذ ورقة موافقة واحدة".

 "مناخ الاستثمار ضعيف"

اعتبر البنك الدولي في تقرير نشر أواخر يوليو أن "مناخ الاستثمار في العراق لا يزال ضعيفاً"، مشيراً إلى "غياب تشريعات مؤاتية للشركات، ومناخ أمني غير مستقرّ، وأوجه قصور إدارية وفساد ممنهج" في إشارة إلى الرشوة.

وتسعى السلطات إلى تغيير ذلك الواقع. ويعمل رئيس الوزراء الذي أعرب مراراً عن عزمه على مكافحة الفساد، وجذب المستثمرين الكبار، لا سيما من دول الخليج.

في أواخر أغسطس، شارك السوداني في وضع حجر الأساس لفندق ريكسوس الفاخر ومجمّع سكني، وهو الاستثمار القطري الأوّل في العراق.

وقال السوداني حينها "بدءاً من رئيس الحكومة وانتهاءً بآخر موظف، سوف نكون مع المستثمر ومع الشراكة ومع القطاع الخاص الجاد في تنفيذ مشاريع الاستثمار في بغداد والمحافظات وإقليم كردستان". 

وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً، أكّد السوداني على أن حكومته جعلت محاربة الفساد "في أولوياتنا".

لكن ما الذي يقف خلف هذه "الطفرة" التنموية في بغداد؟ في مقال له نشر على موقع معهد "الدراسات الإقليمية والدولية"، التابع للجامعة الأميركية في مدينة السليمانية في إقليم كردستان، يرى الباحث حيدر الشاكري أن "الطبقة السياسية العراقية وشركائها في مجال الأعمال قرروا استثمار ثرواتهم في مشاريع محلية هي بمثابة ملجأ للأرباح التي اكتسبت بطرق غير شرعية".

ويشير الشاكري في هذا الإطار خصوصاً إلى "مجمعات سكنية فخمة ومراكز تجارية وجامعات خاصة".

لكن السلطات تعتمد سياسة تحديث البنى التحتية. وتبلغ قيمة الاستثمارات في موازنات السنوات 2023 حتى 2025، 37 مليار دولار سنوياً، وهي تقدّر بثلاثة أضعاف القيمة الفعلية للاستثمارات في العام 2022 وفق البنك الدولي.

وقد أتاحت الاحتياطات المالية الكبرى بالعملة الصعبة التي تفوق 100 مليار دولار والمكتسبة من أسعار النفط المرتفعة، إمكانية طرح تلك المبالغ في الموازنة.

"إلى متى؟"

وأنشأت الحكومة فريق الجهد الخدمي والهندسي، الذي يضمّ جهوداً وفرقاً من وزارات وشركات عامة ومهندسي الجيش والحشد الشعبي، مهمته إعادة تأهيل الأحياء العشوائية "المحرومة منذ أكثر من عشرين عاماً" من الخدمات وفق رئيس الجهد الخدمي في بغداد المهندس عبد الرزاق عبد محيسن. 

تنكّب فرق الجهد الخدمي على العمل في الأزقة الترابية في حيّ الكوفة الواقع على أطراف العاصمة. تحفر جرارات الشوارع من أجل توصيل أنابيب جديدة، فيما تقوم شاحنة بنقل الحطام.

ويقول عبد محيسن الذي يشرف على الأعمال في حي الكوفة إن "هناك أكثر من 1093 عشوائية في محافظة بغداد أعدّت الخطط لها على أن تكون الأعمال بشكل تدريجي".

وأضاف "هناك أكثر من 200 مليار دينار مخصصة لأعمال البنى التحتية من ضمنها المياه والصرف الصحي وإعادة تأهيل الشوارع".

يرحب بعض سكان تلك المنطقة بهذه التغييرات، لكن آخرين ما زالوا يشتكون من نواقص عدة في الخدمات تؤثر على حياتهم اليومية. 

ويشعر أبو علي البهادلي وهو عامل يومي في مجال البناء بفرحة غامرة إزاء هذه التحسينات في حيّه. 

ويقول "مناطقنا كانت محرومة من الخدمات بشكل تام"، مضيفاً أن الوضع في السابق كان مختلفاً، "لا نستطيع أن نخرج إلى الشارع بسبب الوحول التي تسببها الأمطار". 

إلا أن جاره أحمد راضي البالغ من العمر 45 عاماً، لا ينظر إلى الأمور بالإيجابية نفسها ويشتكي من قلة الخدمات والماء والكهرباء.

ويقول راضي وهو موظف حكومي "أعطيني مسؤولا يبقى بلا ماء ساعة واحدة. يريدون أن يعبدوا الشارع قبل إنجاز الماء. لقد تعبنا".

ويتساءل الرجل "متى يكملون الرصيف؟ متى يقومون بوضع نظام تصريف للأمطار؟"، مضيفاً "تأتي من عملك متعباً، لا كهرباء ولا ماء، المجاري منتشرة، أريد أن أعرف إلى متى؟".