نازحون من منطقة الفلوجة في مخيم في منطقة الدورة في بغداد
نازحون من منطقة الفلوجة في مخيم في منطقة الدورة في بغداد

بغداد - دعاء يوسف:

يعتقد خبراء وناشطون عراقيون أن تدفق النازحين من الأراضي التي كانت تحت سيطرة داعش بعد سنة 2014 أدى إلى حصول تغيير ديمغرافي في البلاد.

وتكشف المؤشرات التي أصدرها الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط أن عدد سكان محافظة بغداد مثلا عام 2015 ارتفع بعد النزوح إلى قرابة ثمانية ملايين نسمة، فيما فاق عدد سكان كركوك مليونا ونصف. أما إقليم كردستان فتجاوز سكانه خمسة ملايين نسمة.

ويقول المدير الإعلامي لوزارة التخطيط والإنماء العراقية عبد الزهرة الهنداوي إن "مشكلة النزوح أثرت بشكل كبير على التغيير الديموغرافي في البلاد".

ويبلغ إجمالي سكان العراق 36 مليونا، فيما شكلت كل من محافظتي بغداد وكركوك إضافة إلى إقليم كردستان الوجهة الرئيسية للنازحين العراقيين منذ سنة 2014.

الاستقرار في مدن النزوح

وارتأى كثير من النازحين البقاء في المدن اليت نزحوا إليها. عادل مهدي وهو نازح من مدينة الرمادي فضل شراء بيت في بغداد والاستقرار هناك رغم استعادة قوات الجيش العراقي لمدينته من سيطرة داعش. وأكد مهدي أنه لن يعود إلى الرمادي رغم أنها مسقط رأسه ويملك فيها بيتا ومزرعة. يقول في حديثه لموقع (إرفع صوتك) "من الغباء أن نعيش هناك ونترك حياة بغداد".

قرار عادل بالاستقرار في بغداد حتمي في نظره. "كنت أعاني من الضغوط العشائرية وعاداتها التي قد تبدو في كثير من الأحيان متشددة. ولذا فقد تعين عليّ استغلال النزوح تدريجيا لأستقر نهائياً في مدينة أبهرتني بطبيعتها وانفتاحها".

أما علي كريم، 51 عاماً، فقرر الاستقرار في بغداد خوفا من تنامي الاحتقان الطائفي في مدينته الموصل. وفر علي رفقة عائلته من مدينة الموصل عام 2014 نتيجة "الاستهداف" الذي تعرض به أبناء المذهب الشيعي هناك. يقول إنه لن يستطيع العودة إلى مدينته رغم تحررها. ويتابع " لقد اختلفت الأمور. لم نعد نرغب بالعيش هناك. الصراعات الطائفية ستبقى حتى بعد القضاء على داعش لأنها موجودة بالأساس قبل ظهوره".

الخدمات وفرص العمل

دفعت الوضعية غير المستقرة في المدن المحررة كثيرا من النازحين إلى تفضيل الاستقرار في مناطق النزوح. يظهر ذلك بوضوح من حديث حازم صاحب، 44عاماً. يقول إنه إذا ما عاد إلى مدينة الرمادي، التي نزح منها برفقة عائلته المتكونة من سبعة أفراد، فإنه لن يجد فرصة عمل. "انتظار الجهات الحكومية لتسوية قضية العاطلين عن العمل من النازحين العائدين إلى مدنهم المحررة سيكون ثمنه أن تنهار حياتهم الأسرية".

تمكن حازم، بمساعدة صديق له، من إيجاد عمل في بغداد." عُرض عليّ العمل سائق سيارة أجرة. وافقت دون تردد"، يقول. ويتابع"حينما تجد عملاً يوفر ما تحتاجه، فإنك لا تفكر إلا في المحافظة عليه".

من جهته، يرى الخبير بعلم النفس الاجتماعي يونس الشمري أن البقاء في مناطق النزوح صار الحل الذي يفضله الكثير من النازحين. يقول "الاستقرار في مدن غير مدنهم الأصلية لم يعتمد على فكرة هربهم من إرهاب داعش فقط، إنما شمل أيضا طبيعة الحياة في المدن التي استقبلتهم وسهولة إيجاد فرصة عمل والاختلاط المتاح ونمط الحياة الذي يبدو أكثر حرية ومتعة، فضلا عن شعورهم بالشبه من حيث القوميات والتوجهات والأفكار والعادات عن سكان المدن الأصلية".

ويتابع الشمري "كلمة نازح بدأت بالتلاشي عند بعض الذين توجهوا لشراء البيوت وافتتاح مشاريع كبيرة للعمل وغيرهم أقدم على الزواج من نساء هذه المدن".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.