بقايا مرقد النبي حزقيال في محافظة بابل العراقية جنوب بغداد
بقايا مرقد النبي حزقيال في محافظة بابل العراقية جنوب بغداد

كل يوم جمعة نسمع شيخ الجامع القريب من منزلنا يدعو في نهاية كل خطبة دعاء بـ (اللهم اقتل اليهود والنصارى...). ما علاقتنا نحن بالسياسة؟

أربيل - بقلم متين أمين:

"كل يوم جمعة نسمع شيخ الجامع القريب من منزلنا يدعو في نهاية كل خطبة دعاء بـ (اللهم اقتل اليهود والنصارى...). ما علاقتنا نحن بالسياسة؟ وكيف إذن لنا أن نتوقع خيرا من هؤلاء؟"، الكلام لرجل يهودي لم يمارس حتى الآن طقوسه الدينية رغم بلوغه سن الـ33.

هذا اليهودي العراقي فضل تعريف نفسه باسم موشي (اسم مستعار) خلال حديثه لموقع (إرفع صوتك)، لأسباب متعلقة بأمنه وأمن عائلته.

يؤكد الرجل أنّه وعائلته يتسترون على أمر ديانتهم منذ أكثر 71 عاما بعد ما شهده العراق من ويلات على مدى السنوات الماضية بدءا من جرائم ما يسميه العراقيون بـ الفرهود (السلب والنهب) التي طالتهم عام 1941 وحتى الأوضاع التي تشهدها البلاد حاليا.

الخوف من الإجهار

ينحدر موشي من مدينة خانقين التي تقع على الحدود العراقية الإيرانية (شمال شرق مدينة بغداد). تزوج قبل أعوام من فتاة يهودية، وترك مدينته ليعيش في إقليم كردستان باحثا عن بصيص صغير لممارسة طقوسه الدينية، لكنه لم ينل ذلك فلم يبق في العراق ومن ضمنه إقليم كردستان أي معبد لليهود.

يلفت موشي إلى أن عائلته ليست الوحيدة على هذا الحال، "بل هناك عوائل يهودية أخرى في العراق تخفي ديانتها واضطرت إلى أن تغير أسماءها خوفا من أن يطالها القتل والسلب والاغتصاب كما حدثت للكثير من العوائل الأخرى في هذا البلد في القرن الماضي".

ويضيف موشي أن "المناهج المدرسية التي تدرس في العراق تحرض جميعها على اليهود وتندد بهم وتحرض على إيذائهم بحجة القضية الفلسطينية ويملؤون قلوب وعقول الأطفال بالحقد تجاهنا، فكيف لنا ألا نشعر بالخوف والذل وخيبة الأمل ونتعايش بشكل طبيعي في المجتمع العراقي؟".

طقوس سرية

عائلة موشي لم تستطع الهجرة من العراق أثناء هجرة اليهود إلى إسرائيل في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، لذا اختبأت حالها حال عدد آخر من العوائل وغيّر أفرادها أسماءهم الأصلية إلى أسماء المسلمين بمساعدة موظفين في الدولة ورئيس عشيرة كردية مشهورة آنذاك، حفاظا على حياتهم. لكن العائلة حافظت على ديانتها اليهودية بالسر وبقيت تمارس بعض الطقوس في البيت.

ويقول موشي "عائلتنا أَحرقت وثائقها الأصلية لأنها لم تستطع أن تخبأها بسبب تعرض البيوت للتفتيش بشكل مستمر من قبل الشرطة والأجهزة الأمنية على مر الحقب الماضية".

ويكشف موشي أن كبار السن في العائلة كانوا يمارسون الطقوس بسرية بعيدا عن أعينهم هم الأطفال خوفا من أن يخبروا أصدقاءهم خارج المنزل عنها. "وكنا عندما نراهم على غفلة نسألهم فيتهربون من الإجابة، لكن الناس في المدينة كانوا يعلمون بأمرنا، ولطالما كانوا يقولون لنا إننا يهود، فيصيبنا حالة خوف، بسبب ما تعرض له أقاربنا من إبادة جماعية في العراق. وعندما كبرنا أكد لنا أهلنا أننا يهود وطالبونا بالكتمان".

الجالية اليهودية في العراق

وتعتبر الجالية اليهودية في العراق من أقدم وأعرق الجاليات يهودية في العالم، ويطلق عليها إسم "يهود بابل"، تعود جذورها إلى نحو 2600 عام، بعد أن سُبيوا من قبل ملك بابل نبوخذ النصر الثاني من موطنهم إلى بابل البعيدة. وعاش اليهود على مدى 26 قرنا في بلاد ما بين النهرين وساهموا في بناء حضارتها، لكن التغييرات التاريخية التي شهدها القرن العشرين وسياسة الحكومات العراقية المتعاقبة أدت بهذه الجالية القديمة إلى الاندثار التام، تقريباً، ولم يبق منهم سوى قلة اختبأوا خلف وثائق ثبوتية جديدة كي لا يفقدوا أملاكهم وأرواحهم مثلما تعرض إليه أقرانهم من قبل.

"أنا أفتخر بيهوديتي"، يقول موشي، "لكن لا يمكنني أن أكشف عنها للناس لأسباب عدة، منها الخوف من الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تستهدف المسلمين أنفسهم فكيف لا يستهدفونني أنا وعائلتي اليهودية، لا يمر يوم في العراق إلا ويُقتل فيه العشرات من الناس الأبرياء بسبب الهوية".

ويردف موشي "أشعر بخوف دائم من المجهول الذي ينتظرنا، فنحن الآن شبه وحيدين في العراق ومقيدين في كل مكان، لا أستطيع أن أفصح عن ديانتي بشكل علني. لا أستطيع أن أمارس مع عائلتي طقوسنا الدينية بحرية. ليست لدينا معابد، فمعابدنا دُمرت غالبيتها أو حُولت إلى مواقع لرمي النفايات والباقي منها استولى عليها الآخر وتم تحويلها إلى أشياء أخرى. كذلك حال قبور أنبيائنا غالبيتها تعرضت للدمار التام، حتى هنا في إقليم كردستان ليست لدينا معابد ونحن معرضون للخطر. أتمنى أن ألبس الكيباه (طاقية الرأس اليهودية) بشكل علني في حياتي اليومية، لكن لا يمكنني ذلك".

ويوضح هذا الشاب اليهودي الذي تحدث لنا والحزن يغطي ملامحه "لم نجرِ أي مراسم زواج يهودية ولم نجرِ مراسم دفن الموتى حسب ديانتنا منذ سنوات، ولم نقرأ التورات علانية، أنا متشوق لدراسة التورات والتلمود في المعبد، لكن دون جدوى، ولا أعلم اليوم ماذا أفعل! أريد أن يتربى طفلي على تعاليم الدين اليهودي وأن يتعلم اللغة العبرية".

وعما إذا كان ينوي الهجرة من العراق، فيقول موشي إن "بلاد ما بين النهرين أرضها مقدسة وهي تحتضن أنبياء بني إسرائيل وتحتضن أجساد آبائنا وأجدادنا، وفراق هذه الأرض أمر صعب، لكن ما نشهده اليوم من أوضاع صعبة ومن حرمان من أبسط الحقوق ومن تهميش وتدمير لمعابدنا وأماكننا المقدسة قد يدفع بنا إلى أن نترك هذه الأرض ونهاجر إلى أرض نتمتع فيها بكل ما حرمنا منه".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

وسائل إعلام محلية وبرلمانيون يتحدثون أن موظفين في مكتب السوداني قُبض عليهم بتهم التجسس على مسؤولين كبار- أرشيفية
وسائل إعلام محلية وبرلمانيون يتحدثون أن موظفين في مكتب السوداني قُبض عليهم بتهم التجسس على مسؤولين كبار- أرشيفية

رفض مستشار سياسي لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اتهامات ترددت في الآونة الأخيرة بأن موظفين في مكتب رئيس الوزراء تجسسوا وتنصتوا على مسؤولين كبار وسياسيين.

ومنذ أواخر أغسطس، تتحدث وسائل إعلام محلية وبرلمانيون عراقيون عن أن موظفين في مكتب السوداني قُبض عليهم بتهم التجسس على مسؤولين كبار.

وقال المستشار فادي الشمري في مقابلة مع إحدى جهات البث العراقية أذيعت في وقت متأخر من مساء أمس الجمعة "هذه كذبة مضخمة"، وهو النفي الأكثر صراحة من عضو كبير في فريق رئيس الوزراء.

وأضاف أن الاتهامات تهدف إلى التأثير سلبا على السوداني قبل الانتخابات البرلمانية المتوقع إجراؤها العام المقبل.

وتابع "كل ما حدث خلال الأسبوعين الأخيرين هو مجرد تضخم إعلامي يخالف الواقع والحقيقة".

وأثارت التقارير قلقا في العراق الذي يشهد فترة من الاستقرار النسبي منذ تولي السوداني السلطة في أواخر عام 2022 في إطار اتفاق بين الفصائل الحاكمة أنهى جمودا سياسيا استمر عاما.

وقال الشمري إنه تم إلقاء القبض على شخص في مكتب رئيس الوزراء في أغسطس، إلا أن الأمر لا علاقة له علاقة بالتجسس أو التنصت.

وأضاف أن ذلك الموظف اعتقل بعد اتصاله بأعضاء في البرلمان وسياسيين آخرين منتحلا صفة شخص آخر.

وأردف "تحدث مع نواب مستخدما أرقاما مختلفة وأسماء وهمية وطلب منهم عددا من الملفات المختلفة". ولم يخض الشمري في تفاصيل.

وتابع "لم يكن هناك تجسس ولا تنصت".