أيزيديون عند مقبرة جماعية دفن فيها أقارب لهم قتلهم داعش - أرشيف
أيزيديون عند مقبرة جماعية دفن فيها أقارب لهم قتلهم داعش - أرشيف

بغداد – دعاء يوسف:

المقابر الجماعية في العراق صارت ظاهرة تؤرخ للصراعات، فالحروب التي مرت على البلاد منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي ووصولا إلى ظهور داعش واحتلاله لمدن عراقية مختلفة؛ أدت إلى ظهور هذه المقابر. وكلما أعلن عن اكتشاف مقبرة تجد عشرات العراقيين وهم يحاولون التعرف على أسماء القتلى علهم يعرفوا مصير أبنائهم وأحبائهم المفقودون منذ زمن.

وكانت السلطات العراقية قد عثرت منذ أيام على مقبرة جماعية تضم رفات 40 شخصا أعدمهم تنظيم داعش خلال عام 2015 في مناطق في محافظة الأنبار غرب بغداد، وفقا لمصادر أمنية ومحلية. 

وزارة الصحة العراقية

ولا يستبعد المتحدث باسم إعلام وزارة الصحة الدكتور سيف بدر العثور على المزيد من المقابر الجماعية التي ارتكبها "داعش" ضد المدنيين في المدن التي سيطر عليها عام 2014.

إذ تصاعدت أعداد المقابر الجماعية في البلاد إلى 600 مقبرة حتى عام 2016، حسب وزارة الداخلية العراقية.

ويقول إنّ "عملهم يتم عبر تشكيل لجان متخصصة بين وزارتي الصحة والداخلية، وعمل الصحة يكون بعد استكمال إجراءات وزارة الداخلية من حيث رصد مكان المقبرة والتأكد من عدم وجود الألغام والمتفجرات فيه".

ويضيف "ما زلنا حتى الآن نعمل في مقابر (سبايكر) الجماعية. هناك تحديات كثيرة بعضها يتعلق بهويات الضحايا".

ويشير إلى أن هناك مقابر جماعية قد تم إبلاغ الوزارة بوجودها، ولكنهم لم يستطيعوا حتى الآن المباشرة بالعمل عليها لكثرة أعداد هذه المقابر.

الحرب العراقية - الإيرانية

بعد عام 2003، يستذكر العراقيون في 16 أيار/مايو ذكرى المقابر الجماعية التي راح ضحيتها آلاف من العراقيين على يد النظام السابق.

تاريخ هذه الذكرى يعيد الكثير من المواطنين مطالباتهم للجهات الحكومية المعنية ببذل جهود أكبر في إيجاد جثث ضحاياهم من المفقودين. رغم استمرار محاولات البحث عنهم. تقول كريمة سعود، وهي زوجة لرجل اعتقل على يد عناصر النظام السابق خلال الحرب العراقية – الإيرانية من مدينة بغداد عام  1986، " أخذوه عقب عدم التحاقه بالخدمة العسكرية. حتى الآن لا نعرف شيئاً عن مصيره" .

وتتابع كريمة التي حرصت على الاهتمام بابنها الذي تجاوز الثلاثين من عمره الآن، "لم نعثر على جثته. لذا لم نفقد الأمل بعودته يوما ما".

وتفيد دراسة لوزارة حقوق الإنسان بأن هناك 50 الفاً من المفقودين في الحرب العراقية–الإيرانية، وأكثر من 2000 جندي في حرب الكويت عام 1991، ونحو 400 ألف من معارضي النظام السابق قبل عام 2003.

أهالي هؤلاء لا يعرفون أين دفن أبناؤهم أو أي مقبرة تضمهم، ولذا يتمسكون بأي أمل قد يدلهم على مصيرهم.

أحداث عام 1991

ووجد المحلل السياسي محمد الياسري، أن المدن العراقية الأكثر تضررا كانت الجنوبية. إذ قام النظام السابق بقتل الآلاف المواطنين على خلفية " الانتفاضة الشعبانية" عام 1991.

ويقول لموقع (إرفع صوتك) "هناك الكثير من الأدلة الرسمية التي أثبتت أنه قد تم تعذيب الذين اعتقلوا آنذاك عبر وضعهم في أحواض ممتلئة بمحلول التيزاب أو بتقطيع اجسادهم بمكائن خاصة بثرم اللحوم، أو دفنهم بحفرة ما وهم أحياء".

مع تقدّم السنوات قام النظام السابق من توسيع عمليات الاعتقال لكل من يبدي برأيه المخالف لسلطته حتى وأن كان مزاحاً، بواسطة الحكم عليهم بالسجن المؤبد ومن ثم فقدان مصيرهم.

ويضيف الياسري "لقد كانت عناصر النظام تعتقل هذا وذلك من وسط عائلاتهم بسبب - نكتة - أطلقها في المقهى أو في مكان عمله".

لم تكن تلك المقابر في المحافظات الجنوبية فقط، بل المحافظات الشمالية ومناطق إقليم كردستان وما تلاها في محافظات عراقية مختلفة.

ووفقا لوزارة حقوق الإنسان فقد قام النظام السابق باعتقال نحو 180 ألفاً من الجنسين وبمختلف الأعمار.

هذا فضلا عن مقتل نحو خمسة آلاف شخص في مجزرة "حلبجة" عام 1988.

الصراعات الطائفية

ثمة أدلة حول استمرار تزايد المقابر الجماعية في العراق، إذ أشارت وزارة حقوق الإنسان في الدراسة ذاتها إلى أن الصراعات الطائفية قد تسببت بفقدان ما يقرب 17 ألف شخص.

يقول الخبير بعلم النفس الاجتماعي، ضياء الحسناوي، إنّ "المثير للانتباه أن غالبية أهالي بغداد كانوا على دراية بالأشخاص الذين يقومون باستهداف المدنيين على الهوية و بالأماكن التي كان يدفنون فيها بعد اعدامهم رمياً بالرصاص أو تعذيبهم بشكل متعمد والتمثيل بأجسادهم ".

وقد لوحظ أنّ الضحايا كانوا من الذكور تحديداً وبمختلف الأعمار والانتماءات الدينية، إذ دفنوا بطرق عشوائية في المنتزهات العامة أو الأراضي المتروكة أو ترمى في مكبات قمامة تنتشر في مدينة بغداد. "لقد عثر على الكثير من الضحايا بمنتزهات ومرافق عامة ومكبات للقمامة".

"لكن بالرغم من العثور على الكثير من الضحايا نتيجة تصاعد الصراع الطائفي، إلا أنه لا يزال الكثير منهم مفقودون حتى الآن"، على حد قوله.

سيطرة داعش

"كانت الطائفية للعراقيين، وما زالت، بمثابة الجرح الذي لا يضمد باعتبارها سلسلة تكميلية لأحداث ما بعد عام 2014"، يقول المحلل السياسي عباس خلف في إشارة إلى أن ظهور داعش قد يكون واحدا من نتائج تداعيات الصراعات الطائفية في البلاد.

وكانت وزارة حقوق الإنسان العراقية قد أكدت على قيام عناصر التنظيم بقتل نحو 1700 شخص في"سبايكر" من الضحايا الذين دفنت جثثهم في مقابر جماعية بتكريت، بينما قد عثر على جثث آخرين ممن قتلوا ورموا في مياه نهر دجلة.

كان للأيزيديين حصتهم من المقابر الجماعية، ولكل من وقف بوجه التنظيم فقد أعدم التنظيم عشرات ممن خالفوا التنظيم في مختلف مدن العراق التي شهدت سيطرة عناصر التنظيم عليها. 

ويضيف عباس لموقع (إرفع صوتك) أنّ "من أكثر الأمور الشائعة التي تميزت بها السنوات الثلاثة الماضية تزايد أعداد المقابر الجماعية، وتعرض المدن والقرى العراقية التي كانت تحت سيطرة (داعش) إلى إبادة جماعية".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.