علي عبد الأمير:
تكاد نظرة أولية إلى المشهد الواقعي للحرب على الإرهاب، تظهر زخما عسكريا متقدما في خارطة تمتد من جبال حمرين في شرق العراق حتى سرت الليبية، مرورا بالرقة ودير الزور السوريتين، دون نسيان ما تحققه القوات المصرية في سيناء وأخرى مشتركة في حملاتها على معاقل القاعدة في اليمن.
وفي حين تبدو جملة "من الموصل إلى سرت.. مدن خسرها داعش"، توصيفا دقيقا لذلك الزخم العسكري، إلا أن النقاش يحتدم اليوم في أكثر من ساحة ضمن مشهد الحملة على الإرهاب، ومفاده: كيف يمكن تحويل ذلك الزخم العسكري إلى سياسي، وبالتالي إغلاق الباب أمام أي عودة محتملة للتنظيمات المتطرفة والمجموعات الإرهابية؟
إدامة الزخم الأمني وصولا إلى الاستقرار؟
ويعتقد الباحث العراقي المتخصص بشؤون الجماعات المتطرفة د. هشام الهاشمي في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) أن إدامة الزخم الأمني وصولا إلى آخر اجتماعي تتحقق في حال مواجهة رادعة لـ"عصابات الجريمة التي قامت بالتربص بفرصة الفوضى الداخلية، وانطلقت لممارسة جميع أعمالها الإجرامية بدم بارد، مما شجع أفرادا لا ينتمون لسوابق إجرامية وغير مسجلين في قواعد بيانات الأمن والقضاء، ليقوموا بعمليات خطف وتسليب وسطو مسلح واغتصاب وترويج بيع السلاح والمخدرات، من أجل الفدية المالية".
وضمن ما يراه أسبابا واقعية لنشاط تلك المجموعات يحدد الهاشمي:
-الفوضى الأمنية والسلاح السائب والعجلات المضللة والوثائق التعريفية الأمنية المزورة التي يستخدمها عناصر عصابات الجريمة المنظمة، والسيطرات والحواجز الأمنية الضعيفة التي تتعامل مع هذه العصابات على انها جماعات فوق القانون ينبغي تجنب التصادم معها.
-ضعف الأحكام القضائية الرادعة، وتدخل الأعراف والأحكام العشائرية والعمائم الدينية في تقويض سلطة القضاء.
-تعدد الأجهزة الأمنية والاستخباراتية وتداخل الصلاحيات، وندرة التخصص والدورات التدريبية،
-الظروف الاقتصادية السيئة وعدم توفر فرص العمل الحكومية وضعف القطاع الخاص في احتواء اليد العاملة، لتبدو عمليات الخطف وبالذات للمواطن الغني وكأنها غنيمة مؤكدة.
نحو لجم الثقافة المتطرفة اجتماعيا؟
"الإرهاب الذي طغى على حياتنا خلال السنوات الماضية"، يرى الباحث الأكاديمي العراقي المقيم في أميركا، د هيثم نعمان الهيتي، "هو خزين موروث لدى مجتمعاتنا في عصورها الحديثة، وتحديدا منذ خمسينيات القرن الماضي عبر قيام أنظمة عسكرة المجتمعات وصعود قيم التشدد ورفض الآخر".
ويوضح الهيتي في حديث لموقع (إرفع صوتك) أن الزخم العسكري لن يأتي بجديد في الحملة على الإرهاب، "فبدون قيم سياسية جدية وجديدة لن نتمكن من بناء دولة آمنة أكان ذلك في العراق أم سورية".
يشرح الهيتي أن العراق في سياسته الخارجية أيام النظام السابق شدّد على الانتماء القومي فخسر، والنظام السياسي الآن راهن على الانتماء الطائفي فخسر. "ومن هنا فلا بد من انتماء ثالث للخروج من الأزمة وهو: مصلحة العراق قبل هويته القومية أو الطائفية".
أما داخليا، فالرهان سيكون على كسر "العنجهية" ومواجهة فرض سياسة الأمر الواقع، يواصل الهيتي حديثه "عبر تغييرات منهجية تبدأ من تعديلات دستورية وصولا إلى تسويات تعلي من شأن المصلحة العراقية قبل أي غرور طائفي أو قومي، ذلك الغرور الذي جعل من ابن النجف منقطعا ومعزولا عن ابن الرمادي".
خشية أميركية من داعش بحلة جديدة
وينقل الكاتب والمعلق السياسي العراقي المقيم في أميركا، حسين عبد الحسين، النقاش نحو مركز الشراكة العراقية- الأميركية في الحرب على الارهاب، فينوه محذرا "كما قال الجنرالات الأميركيون، إن لم تنجح الحكومة العراقية في ترتيب البيت السياسي العراقي، سيعود داعش بحلة جديدة".
أما كيف يتم ترتيب البيت العراقي، فتجب مكافحة الفساد المستشري الى درجة مميتة داخل الدولة، حسب قول عبد الحسين، "وهو الفساد الذي أدى الى تلاشي القوات العراقية في الموصل وخسارتها لمصلحة داعش قبل ثلاث سنوات".
"لم يعد الانتصار الكامل عل داعش مرتبطا بالقتال وحده"، يضيف عبد الحسين في حديث لموقع (إرفع صوتك)، "بل صار يتعلق بسرعة اعادة المهجرين إلى بيوتهم، والانخراط في ورشة اعادة اعمار البلدات المنكوبة، والتوصل الى تسوية سياسية تضمن تمثيل هذه المناطق في حكومات محلية، كما نص عليه الدستور الفدرالي العراقي، وتمثيلها في الحكومة المركزية في بغداد".
ختاما، يلفت عبد الحسين إلى تحد تمثله القوى المسلحة الشعبية الموجود في الشارع العراقي اليوم ومسؤولية إعادة مقاتليها الى حياتهم المدنية، او انخراطهم ضمن صفوف القوات النظامية. "لكن بقاءهم على ما هم عليه، بما في ذلك الحفاظ على عقيدتهم وولائهم خارج حدود دولة العراق، فهو مقدمة تلاشي الدولة العراقية مستقبلا، على غرار ما حصل في لبنان".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659