عبارة "لا للطائفية" على سيارة في العراق

بغداد – دعاء يوسف:

في ربيع عام 1996، كانت هند جسام، 46 عاماً، تحاول الوصول إلى دير "مار متي" الذي يقع على بعد 35 كم شمال شرقي الموصل سيراً على الأقدام عبر 32 استدارة، مثل غيرها من السواح الذين كانوا يحرصون على زيارة هذه الأماكن السياحية في شمال العراق.

لحظتها، كانت هند تواجه صعوبة في التسلق لوعورة الطريق، لذا اضطرت كما يفعل البعض إلى ركوب الدابة – الحمار – إذ كان سكان المنطقة يحرصون على تأجير هذه الدواب للزوار لغرض الاسترزاق، "ولكن ما إن قمت باستئجارها وركوبها حتى صرخ أحد الزوار لحظتها مستغرباً من حديثي مع صاحبها كونه أيزيدي من عبدة الشيطان"، كما وصفه.

اقرأ أيضاً:

خبراء عراقيون: نحتاج إلى قوانين صارمة تقف ضد التطرف

الأرمن في سورية والعراق: رحيل بلا عودة

وتضيف السيدة وهي متزوجة، وأم لطفلة في العاشرة من عمرها، "عندما سألت أمي عن حقيقة ما ذكره هذا السائح، وافقته الرأي في ما يتعلق بأن الأيزيديين هم من عبدة الشيطان".

وتتابع "ومنذ ذلك الحين، كنت أتحاشى الاقتراب من الأيزيديين".

ولم تنف هند وهي ربة بيت، ندمها في تصديق ما ذكر عن الديانة الأيزيدية بعد أحداث داعش. وأشارت إلى أنّ ما كانت تؤمن به طيلة الفترة السابقة حول الديانة "لم يكن برغبتها الشخصية لأن الكل كان ينعتهم بالكفرة وعبدة الشيطان".

وقامت هند بمراجعة وقراءة عن الديانة الأيزيدية بعد ما ارتكبه بحقهم داعش من سبي وتهجير واعتداءات وصححت أفكارها المغلوطة.

لأنهم غير مسلمين

أما موفق اسماعيل، 53 عاماً، فيقول إنّ علاقة أبناء المكون المسيحي كان طيبة دوماً مع المسلمين "إلاّ أنه كان يسمعون بين الحين والآخر في تعاليم الشريعة الإسلامية أنهم لا يدخلون الجنة أبداً".

ويضيف في حديثه لموقع (إرفع صوتك) أنّه "عندما كان في مرحلة الدراسة كان الأساتذة يطلبون من الطلبة المسيحيين بالخروج من القاعات الدراسية في دروس التربية الإسلامية".

ويشير موفق الذي يدير محلاً لبيع المواد الغذائية والمنزلية ببغداد إلى أنّ تكفير أبناء المكون المسيحي أو اعتبارهم من المرتدين لم يظهر هذا الأمر إلاّ بعد أن تزايد التطرف الديني والتشدد الفكري بعد العام 2003. "أتذكر جيداً كنا صغاراً نلعب مع الأطفال المسيحيين ونزور الكنائس ونتزاور فيما بيننا بصورة طبيعية جدا، ولكن كانت أمي تطلب منا ألا نأكل من أكلهم لأنهم غير مسلمين ولا يغتسلون مثلنا".

تغيّر الأمر بالنسبة لموفق الذي يقول إنه مع العمر وتوسع المعرفة، بات أكثر تفهما للإنسانية وأهمية التسامح بين سائر المكونات.

 كنا نرفض الاقتران بهم ​

يروي محمد عادل، 45 عاماً، وهو من الطائفة السنية، أنه منذ طفولته وهو يسمع أن "الشيعة يكرهون الصحابي عمر وعائشة رضي الله عنهما. ودائما ما كان يقال لنا إنهم يعبدون أولياء النبي. لذا كنا نرفض الاقتران بهم أو مصاحبتهم".

ويتابع "للأسف هناك الكثير من أبناء الطائفة السنية ما زالوا حتى الآن لا يقتنعون بأن كل ما قيل في السابق هي مغالطات وأفكار تهدف إلى تدمير الديانة الإسلامية. وربما الطائفية وتنظيم داعش هما من أفضل الأدلة التي تثبت أننا كنا على خطأ".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.