العاصمة العراقية بغداد
العاصمة العراقية بغداد/وكالة الصحافة الفرنسية

بغداد – دعاء يوسف:

كان ذلك عند عودة رنا خليل، 26 عاماً، من السوق. تعرض بلهفة ما اشترته من حاجيات وكتب لأفراد عائلتها، يبدأ والدها في تفحص عناوين الكتب، ثم يصيح غاضبا "كتب الكفرة! هكذا يفعل خطيبك لصرفك عن دينك"، في إشارة إلى أنّ مطالعة الكتب الثقافية والأدبية تقضي على الدين الإسلامي.

اقرأ أيضاً:

خبراء عراقيون: نحتاج إلى قوانين صارمة تقف ضد التطرف

الأرمن في سورية والعراق: رحيل بلا عودة

مؤامرة عالمية

اعتادت رنا على هذا الواقع، فقد كان أبوها يرفض قراءة الكتب سوى تلك التي تعنى بالدين الإسلامي وكتب المدرسة، ويسخر ممن يعارضون تعاليم الشريعة الإسلامية باسم الحرية والديمقراطية.

انتشرت فكرة وجود مؤامرة للقضاء على الدين الإسلامي في العراق بشكل واسع بدءا من العام 2003. واتسعت أكثر بظهور عشرات الجماعات المسلحة، ثم فترة الاقتتال الطائفي خلال عامي 2006 و2007.

وتضيف رنا "كنا دوماً نستغرب من رفض أبي لقراءة أي كتاب دون أن يورد سبباً مقنعاً. كان يردد باستمرار عبارة: هذه الكتب تفسد الأخلاق لتبعدكم عن الإيمان بالله".

حقيقة التخلص من داعش!

ورغم أنّ المادة الثانية من المبادئ الأساسية للدستور العراقي تنص على أن الإسلام دين الدولة الرسمي، إضافة إلى أن الدستور يضمن الحفاظ على الهوية الإسلامية، كما يضمن الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، من مسيحيين وأيزيديين وصابئة مندائيين، إلا أن محسن كريم، 49 عاماً، لم تغادره أبدا فكرة أن ما جاء في الدستور يناقض الواقع العراقي برمته.

يقول لموقع (إرفع صوتك) "الأصوات المطالبة بمحاربة التطرف وحرية المعتقد يُنظر إليها على أنها وجدت للقضاء على الدين الإسلامي".

ويضيف محسن، الذي يعمل في مكتب للاستشارات القانونية "الكثير من الناس اليوم تعتقد، وخاصة بعد ظهور داعش، أن القضية كلها تتعلق بتنفيذ أجندات خطيرة للتخلص من الديانة الإسلامية وتشويه صورتها بحجة التخلص من تنظيم داعش".

ويشير إلى أنّ المشكلة لا تقتصر عند هذا. بل، تتجاوزها لدرجة الطعن بمبادئ الديمقراطية بوصفها لا تمثل الدين الإسلامي وتتعارض مع أحكامه. "الآن، يمكن سماع أحدهم يقول إن كل ما يحدث في البلاد بسبب العلمانيين للقضاء على الدين الإسلامي. هؤلاء في كل مكان، تجدهم في الشارع وتلتقي بهم في الحافلة ودوائر الدولة والمقاهي وغير ذلك"، يؤكد محسن.

زمن لا يشبه زماننا

أما نوفل عباس، 46 عاماً، فيقول إنّ "العلمانية ما هي إلا وسيلة يتبعها البعض، وخاصة المثقفون، لإنهاء الدين الإسلامي".

ويضيف "تجد الشخص مسلما، ولكنه يطعن بتعاليم الدين الإسلامي ويشجع على مخالفتها والابتعاد عنها، بل ومحاربتها وفق تبريرات أنها نزلت بزمان لا يشبه زماننا أو حاضرنا هذا".

ويشير إلى أنّه يحاول الحفاظ على الدين الإسلامي من خلال مراقبة توجهات أفراد عائلته وأفكارهم خوفاً من الوقوع في هذا الفخ المخيف. "على المسلم ألا ينخدع بالدعوات التي تحاول القضاء على ديننا بمدافعتها المستمرة عن الإنسانية والديمقراطية وحرية المعتقد"، يقول نوفل.

محاربة المجتمع المسلم

ويقول الخبير في علم النفس الاجتماعي علي الساعدي في محاولة لتفسير ذلك أن "الكثير من المسلمين يؤمنون بعدائية المدنية ومناهضة أحكامها، المتمثلة بحرية المرأة وحرية الرأي والمعتقد وحقوق الإنسان، لأحكام الشريعة الإسلامية".

ويضيف "لهذا يُنظر إلى العلماني أو المدني بأنه من الكفرة والملحدين ويُعتقد أن أفكاره في احترام المعتقد والتوجه الديني ماهي إلاّ محاربة للمجتمع الإسلامي بصورة متدرجة".

ويتابع "المتدين يرى المدني، والذي هو مسلم مثله أيضاً، يتجاوز على شريعة الله".

ويشير الساعدي إلى أنّ محاولات الحد من الأصوات المنادية بضمان الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، جاءت بصور متعددة منها الصراعات الطائفية والضغوط الاجتماعية والعشائرية على المرأة وتضعيف القانون وإصدار فتاوى التكفير وغيرها الكثير من الأمور المتعلقة بتضييق الخناق على النوادي والجامعات العراقية والممارسات المتعلقة بالحريات الشخصية.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.