سيدة عراقية وابنها يتجولان في سوق لبيع الملابس شرق الموصل/ وكالة الصحافة الفرنسية
سيدة عراقية وابنها يتجولان في سوق لبيع الملابس شرق الموصل/ وكالة الصحافة الفرنسية

بغداد – دعاء يوسف:

شهدت المدن العراقية التي سقطت في يد مسلحي تنظيم داعش في شهر يونيو/حزيران من العام 2014 وضعا مأساويا حمل الكثير من التغيير، فقد أرغم جميع الرجال والنساء على تطبيق القوانين التي فرضها داعش على نمط حياتهم بما في ذلك الاختيارات الشخصية.

ارتداء الزي "الإسلامي"

تقول سهاد عادل، 46 عاماً، "منذ الأيام الأولى لسيطرة داعش كان عناصره يجبرون النساء بالقوة على الالتزام بارتداء الزي الإسلامي". وتوضح أن جهاز "الحسبة" كان يعاقب كل فتاة وامرأة لا تلتزم بالطريقة التي حددها التنظيم في ارتداء "الزي الإسلامي"، حيث يعمل أفراده على مداهمة الأسواق والأماكن العامة لاعتقال كل مخالف.

اقرأ أيضا:

برامج حكومية في العراق لتأهيل النساء والأطفال ضحايا داعش

تجارب نساء تصدّين لداعش في الموصل

وتكشف سهاد، التي نزحت برفقة عائلتها من الموصل نحو بغداد مع بداية معارك تحرير المدينة، أنها شهدت تعنيف مناصرات لداعش للكثير من النساء اللواتي لم يمتثلن لتعاليم ارتداء "الزي الإسلامي". "زرع هذا الخوف في نفوسنا، فاضطررنا الالتزام بهذه التعاليم والقرارات"، تقول سهاد.

المحلات التجارية

لم تقتصر أحكام داعش على هذا فقط، بل منعت ارتداء حتى "الأزياء الإسلامية التي تتماشى مع الموضة"، كأن تكون مزينة بالألوان أو لافتة للنظر، فضلا عن محاسبة المحلات التجارية التي تبيع هذه الملابس. ومنعت هذه المحلات من عرض وبيع الملابس القصيرة والضيقة والبناطيل النسائية.

تقول كوثر زهير، التي كانت تدير محلا لبيع الملابس النسائية بالموصل قبل سيطرة داعش، "تصورا! الملابس النسائية الخاصة كانت ترعبهم. كانوا يحرمون كل شيء ويعتقلون كل من يخالفهم في عرضها في المحل لبيعها".

وتضيف كوثر، التي تسكن في بغداد منذ نهاية العام 2016، "هذا الأمر دفع الكثير من أصحاب المحلات التجارية إلى إفراغها وإغلاقها خشية العقوبة".

اعتقال واختفاء

أما وليد زياد، وهو صاحب محل أيضا، فيقول "رغم أنّ الأحكام التي فرضها داعش كانت تثير غضب الناس وخاصة النساء.. إلاّ أن تطبيقها أخذ على محمل الجد لأن الكثير من أصحاب المحلات الذين رفضوا الانصياع لهذه القرارات تم حرق محلاتهم، فضلا عن تعذيب واعتقال واختفاء بعضهم".

ويضيف وليد، الذي يعيش في أربيل منذ العام 2014، "من الغريب أن تُمنع النساء المحجبات من ارتداء الملابس القصيرة والضيقة أو الملونة حتى وإن كن بعيدات عن الأنظار، بوصفها ملابس للكافرات المرتدات عن الدين الإسلامي".

ويتابع "منذ أعوام طويلة، والعراقيات بمختلف انتماءاتهن وتوجهاتهن الدينية والفكرية يتمتعن بارتداء ما يعجبهن من ثياب، وبحسب صيحات الموضة الحديثة سواء كن داخل بيوتهن أو خارجها".

عودة الحياة

ما إنّ تم تحرير الأراضي العراقية من سيطرة داعش حتى بدأت الحياة العادية تعود من جديد، بما في ذلك المحلات التجارية التي تبيع الملابس النسائية العصرية.

يقول عمر خليل، 34عاماً، "رغم المعاناة التي تعرضنا لها بسبب سيطرة داعش وكذلك الخسارات المادية والنزوح وغيرها من التحديات، إلاّ أنني الآن أشعر بالراحة لعودة الحياة من جديد إلى الموصل".

ويضيف الشاب العراقي "بدأت محال بيع الملابس وغيرها من الحلي والإكسسوارات ولوازم الزينة والماكياج بالعودة إلى نشاطها كما كانت قبل دخول داعش".

أما نوال محسن، 34 عاماً، وهي نازحة من الموصل إلى بغداد منذ العام 2014، فتقول "اتصلت بأختي التي بقيت مع أمي طيلة فترة سيطرة داعش وأخبرتني أن الأسواق عادت تزاول نشاطها من جديد وأن المحلات بدأت تعرض مختلف تصاميم الملابس الزاهية والحديثة بموديلاتها القصيرة والضيقة، بجانب عرضها لملابس المحجبات".

وتضيف "أرتدي الحجاب منذ صغري، وكنت وما زلت أرتدي الملابس الملونة بموديلاتها المختلفة، بل وارتدي البناطيل ولم يمنعني أحد من أفراد عائلتي".

وتشير نوال، التي تدير صالونا للتجميل ببغداد، إلى أن الملابس الجميلة بألوانها الزاهية للمرأة تعبر عن ثقافة مجتمعها حتى وإن كانت متدينة وترتدي الحجاب.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 001202277365

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.