علي عبد الأمير:
تكرر الحضور المأساوي لحروب العراق المعاصر في غير تجربة سينمائية منذ العام 2003، أكان في مجال السينما الروائية أم الوثائقية، حتى بدا ذلك الحضور يتشابه لفرط التكرار.
وفي فيلم "مصور بغداد" للمخرج مجد حميد، محاولة للخروج من هذا التكرار الذي جعل الغنى التعبيري المتوقع من تصوير المصائر الرهيبة للإنسان العراقي في حروب بلاده، مجرد بكائيات بائسة لا تثير سوى الملل.
اقرأ أيضا:
العراق أيلول 1980: أسبوع أول لحرب صارت دهرا
ومحاولة مجد حميد، تحققت عبر أكثر من سياق، فأن تحكي حروب العراق المتواصلة منذ عقود في وقت قصير، فهذا إنجاز، وأن يكون الوقت 3 دقائق أو أقل، والحكاية تأتي في نسيج فني وتعبيري متماسك، فهذا إنجاز حقيقي. وأن يكون الفيلم رثاء عميق للأحلام الإنسانية في الحرب دون أن تسمع طلقة أو قذيفة، ودون أن ترى دما أو حطاما، فهذا إنجاز لافت، وهو ما حققه المخرج الشاب الذي سبق له أن عمل في قنوات فضائية عراقية وعربية.
ببساطة لافتة، يقف أمام كاميرا المصور البغدادي شاب وزوجته المبتسمان فرحا وآملا بالحياة، ثم نعود إلى عدسة الكاميرا ومنها إلى الرجل ذاته وببزته العسكرية وابنهما، ثم لقطة أخرى للزوجة بالأسود ومعها ابنها الشاب وزوجته، ثم اللقطة الأخيرة حيث الأم وقد استغرقت أكثر في السواد، وإلى جانبها زوجة الابن وقد لفت نفسها بالسواد حاملة طفلها الصغير وسط غياب الابن والزوج.
اقرأ أيضا:
الوحش الصامت في ميسان: ألغام ومقذوفات منسية
تكثيف بالغ الدلالة لسيرة أربعة عقود من تاريخ العراق المعاصر: سيرة الموت والهوان والقسوة، وبأداء بسيط من فريق تمثيلي يتقدمه آلاء نجم وأياد الطائي، لكنه كان كافيا لنقل المشاعر. "الفيلم هو عبارة عن خلاصة خبرتي في مجال المونتاج والإخراج والتمثيل، وهو أيضًا تكثيف لـ35 عامًا من الحروب في دقيقتين و17 ثانية دون أي نقطة دم أو طلقة رصاص. أنا أزعم أن المونتير الجيد يمكن أن يصنع مخرجا جيدا، وعلى الرغم من تأخري في صنع فيلمى الأول فإن عملي في مجال المونتاج كان له تأثير كبير على رؤيتي لكيف يمكن أن تقول الكثير في مشاهد قليلة، أيضًا في فيلم عن الموت تصبح جميع التفاصيل بلا معنى وهذه الفكرة هي العامل الأساسي في أن يظهر الفيلم بالصورة التي ظهر عليها".
أن يحكي العراقيون حكايتهم
ما بدا نسيجا متماسكا في الفيلم حتى مع زمنه شديد القصر، كان حاضرا في كلمة المخرج الشاب بعد اعلان فوزه المستحق بجائزة الفيلم الوثائقي القصير في "مهرجان الجونة السينمائي" الذي انتهت دورته الأولى بمصر قبل أيام، فهو بشجاعة قال "آن الأوان كي يحكى العراقيون حكاياتهم بأنفسهم لا أن يحكيها الآخرون".
"مصور بغداد" حكاية موجزة لكنها عميقة عن مغالبة الجروح العراقية لصالح الأمل حتى وإن بدا شحيحا.
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659