أكراد يحملون علم إقليم كردستان وهم يحتفلون باستفتاء الإنفصال في أربيل/وكالة الصحافة الفرنسية
أكراد يحملون علم إقليم كردستان وهم يحتفلون باستفتاء الإنفصال في أربيل/وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم علي قيس:

بينما ردت الحكومة المركزية في بغداد على الاستفتاء الذي أجري في إقليم كردستان بجملة قرارات للضغط على الإقليم من أجل إلغائه، مشترطة ذلك للعودة عن الأوضاع المترتبة على الاستفتاء والجلوس إلى طاولة الحوار، أصرت الحكومة في أربيل على التمسك بالاستفتاء ونتائجه، عازية إصرارها إلى إرادة الشعب الكردي، ومكتفية باعتباره إجراء دستوريا غير ملزم للمركز.

المشهد أعلاه كان فيه تحد بين بغداد وأربيل لاستعراض القوة في موضوع انفصال أو بقاء إقليم كردستان ضمن عراق موحد، فمن كان المتفوق في هذا التحدي؟

اقرأ أيضاً:

برزاني في كركوك مجددا.. والعيون على العبادي؟

العبادي من لغة الاحتواء إلى فرض القانون.. هل سينجح؟

قوة و ضعف في آن!

يرى القيادي السابق في حزب الدعوة والكاتب غالب الشابندر أن "الاستفتاء منح بغداد القوة على الصعيد الداخلي، فيما زاد دبلوماسيتها ضعفا على المستوى الدولي"، موضحا في حديث لموقع (إرفع صوتك) أسباب القوة بقوله "لأنه برّزها (حكومة بغداد) على أنها هي صاحبة الرأي والقرار بالانفصال، وهي بدورها تعاملت مع الإقليم على أنه ضمن الوطن".

ويتابع "والتزمت بالمبادرة الي طرحتها المرجعية لكن بشرط العودة إلى المحكمة الاتحادية والدستور".

على صعيد آخر، يرى الشابندر أن الأزمة قوّت من موقف القوات الأمنية، خصوصا أن الجيش العراقي "لأول مرة منذ 2003 يقيم مناورات عسكرية مع إيران وتركيا، وهذا يؤكد أن حيوية الجيش العراقي عادت".

حذاري من خيال الجعفري

أما الجزء المتعلق بالضعف، فيرى الكاتب غالب الشابندر أن "أداء وزارة الخارجية في التعامل مع موضوع الاستفتاء كان ضعيفا، فالمفترض أن تقوم هي بمسك المبادرة في التعامل مع تركيا وإيران"، مضيفا "لكن حتى الآن لم أرَ دورا للخارجية العراقية، وإنما الدور الأكبر كان للخارجيتين الإيرانية والتركية".

ويحذر الشابندر في ختام حديثه من "تدويل القضية"، قائلا "وزير الخارجية (إبراهيم الجعفري) يتصور أن التدويل يدخله عميقا في أفق العلاقات العالمية وينساق مع هذا الخيال"، مشددا على أن "التدويل ليس من صالح القضية العراقية".

كردستان أقوى؟

بالمقابل، يرى المحلل السياسي الكردي عبد الغني علي أن أزمة الاستفتاء "قوّت من موقف أربيل، بدليل أنها جرّت القوى الكردية المشتتة إلى التفاهم"، مضيفا في حديث لموقعنا "16 حزب كرديا بما فيها الإسلامية والماركسية والتركمانية توحدت في موضوع الاستفتاء".

ويتابع "كما خلق هذا الموضوع مدا شعبيا سواء في الإقليم أو في أوروبا، وهذا ما نراه في المظاهرات التي خرجت لتأييد الانفصال".

أما عن الموقف الدولي الرافض للاستفتاء، فيرجح المحلل السياسي الكردي أنه "سيتغير مع مرور الوقت"، موضحا "على سبيل المثال لاحظنا تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه ليس من مصلحة أحد قطع العلاقات الاقتصادية مع كردستان، وموقف الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم في السويد الذي أيد الاستفتاء وأيد طموح الشعب الكردي بالاستفتاء".

ويتوقع عبد الغني أن "تنضم دول جديدة إلى صالح تأييد إقليم كردستان في الانفصال، بعد فهم مطالب الأكراد واستيعابها من قبل المجتمع الدولي".

الطرفان خسرا سياسيا!

بدوره، يعتبر عميد كلية الإعلام في جامعة بغداد هاشم حسن، أن الطرفين (حكومتا بغداد وأربيل) قد خسرا "خسارة سياسية كبيرة"، موضحا في حديث لموقع (إرفع صوتك) "من حيث الظاهر كل طرف يعتقد أنه حقق انتصارا وعبر بعض أزماته، مسعود يعتقد أنه تجاوز مشكلة الولاية وثبّت نفسه على الأقل على صعيد الطبقة الشعبية بوصفه منقذا، والحكومة والبرلمان الاتحاديان ظهرا على أنهما الأكثر قوة".

ويتابع "قناعتي هي أن الطرفين لم ينتصرا، لأن ما يحصل الآن هو تراكم للأخطاء، لم ينجح الطرفان في تعميق مبدأ الشراكة باتجاه الدولة المدنية".

وعلى صعيد السياسة الخارجية، يرى حسن أن رئيس الإقليم "قرأ المشهد بطريقة خاطئة، فرغم أن هناك دولا كانت موافقة على الانفصال لكنها كانت معترضة على التوقيت"، موضحا "فالدول الكبرى لا تدعم أي خطوة إلا بتوقيتها التي تريده هي، حتى توظفها لحل أزمة معينة أو الدخول بأزمة ثانية".

وينهي عميد كلية الإعلام حديثه بالقول "الجميع يتحمل المسؤولية، لأن الجميع لم يعمل بروح الدستور وروح الشراكة".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.