نازحون من منطقة ألبو ذياب شمال الرمادي بانتظار تفتيشهم من قبل القوات الأمنية/وكالة الصحافة الفرنسية
نازحون من منطقة ألبو ذياب شمال الرمادي بانتظار تفتيشهم من قبل القوات الأمنية/وكالة الصحافة الفرنسية

الرمادي- محمد الجميلي:

يروي أنباريون تفاصيل حياتهم تحت سيطرة داعش، وكيف كان التنظيم يكثف الجهد الاستخباري عبر زرع عناصر يطلق عليهم "العناصر الأمنية"، يكون دورهم متابعة من يشتبه به من المدنيين بكونه محرضا أو متعاونا مع القوات الأمنية فيعتقل، وتتولى "المحاكم الشرعية" إنزال أقسى العقوبات به.

الحاج ياسين أحمد (70 عاما)، وهو من أهالي قضاء عنه غربي الأنبار، يكشف في حديث لموقع (إرفع صوتك) عن جوانب من معاناته، قائلا: "اضطررت للبقاء، أنا وأحد أولادي، لنحافظ على ممتلكاتنا في المدينة، والتي تتم مصادرتها من قبل التنظيم حال خروج العائلة وتركها للمدينة. جميع الممتلكات تصبح ملك الدولة الإسلامية حسب ما يقرره القاضي الشرعي في المدينة. وهو الأمر الذي أجبرني على إخراج عائلتي في صمت، حتى اكتشف التنظيم أمري، فتمت مداهمة منزلي والعبث بمحتوياته ومن ثمة قادوني أنا وابني إلى جهة مجهولة، وأسمعوني شتى الكلمات البذيئة".

ضرب عناصر داعش نجل الحاج ياسين، طه، ضربا مبرحا حين حاول الدفاع عن والده، وظل الاثنان بانتظار "الحكم الشرعي"، لفترة طويلة، كأسلوب من "أساليب الحروب النفسية التي يتبعها التنظيم مع معتقليه حتى جاء ذلك اليوم الذي لم يكن في الحسبان، فقد حكم القاضي الشرعي بأخذ القصاص بولدي طه وقتله بتهمة التخابر مع القوات الأمنية، ما جعلني أترجى القاضي الشرعي، لكن دون جدوى فتم أخذ القصاص بولدي أمام أنظاري كما حكم القاضي بجلدي 70 جلدة".

اقرأ أيضا:

منذ تحرير الرمادي.. إبعاد أكثر من 100 خطيب مؤيد لداعش

وفي مجال تأثير داعش على الحياة العامة وتحديد العملية التربوية، يقول المدرس بالمرحلة الثانوية أحمد غني "بعد أن أصبحت سيطرة التنظيم على مدينة عنه، أمراً واقعاً، كنا نعمل في تربية القضاء على انتظام سير الدوام في المدارس بعيداً عن الجماعات المسلحة والصراعات، فما يهمنا هو تقديم الدروس للطلاب حتى يصلوا للامتحانات النهائية وهم على مقدرة من تأديتها بنجاح، فلم يعترض عملنا أحد في بداية الأمر حتى إحكام السيطرة على جميع دوائر الدولة، وبدأت معها المضايقات بفصل الدوام المختلط بين الأولاد والبنات، وأن يكون الزي المدرسي مطابقا للشريعة الاسلامية".

تعليمات داعش ومنهاجه التعليمي

ويضيف الاستاذ أحمد غني في حديثه لموقعنا، "كنا نعمل في المدارس رغم المخاوف الكبيرة من أن لا تعتمد وزارة التربية العراقية نتائج الامتحانات، لكننا أجرينا الامتحانات الفصلية في المدارس وفق المنهاج المعتمد في وزارة التربية، وبعد إكمال الامتحانات فوجئنا بقوة كبيرة من تنظيم داعش تداهم المدارس وبصحبتها عجلتين كبيرتين تحملان الكتب والمناهج وفق رؤية الدولة الاسلامية، وتم توزيعها على الطلبة، الأمر الذي قوبل بالرفض كون الطلبة قد درسوا منهاجا مختلفا عن تلك الكتب".

رفض التربويين لمناهج داعش قوبل بالتهديد والوعيد، فـ"من يخالف التعليمات وأوامر والي عنه سيلاقي حتفه فلم يعد لدينا الكثير من الفرص خاصة وأننا قد اطلعنا على مناهجهم الاجرامية والتي لا تمثل الإسلام الحقيقي، فترك الكثير منا العمل، وهناك من هرب وعائلته، فما كان من التنظيم الا تعيين عدد من عناصره الذي يجيدون التحريف والتدليس تربويا وفكريا وتولوا هم تعليم الأطفال والشباب".

اقرأ أيضا:

فوضى الأنبار السياسية تشل حركة الحياة في المحافظة
 

آثار داعش على النفوس والأفكار

وتعتقد أستاذة علم نفس في جامعة الأنبار، إيمان كركز، أن من السهل ازالة أي أثر أو معلم لتنظيم داعش في أي مدينة كانت تحت حكمه، إلا أن الأثر النفسي من الصعب إزالته، مستدركة في حديث لموقع (أرفع صوتك) "ما لم تكن هناك معالجات نفسية وفكرية للمجتمعات، فهنالك واجب يقع على عاتق الدولة في كيفية محاربة هذا الفكر المتطرف الذي لن ينقضي إلا بفكر واع ومثقف يتم استخدامه بمحاربة تلك الأفكار الشنيعة".

وتضيف أستاذة علم النفس "أن إقامة ندوات ومحاضرات في المدراس والمعاهد من قبل أساتذة مختصين أمر واجب، كما لعالم الدين دور كبير، فكما كان داعش يستخدم تلك المنابر للقتل والتحريض يجب الرد عليه من تلك المنابر بأن الدين الاسلامي هو للسماحة وللمؤاخاة. وتكون هنالك حملة وطنية كبرى للتوعية وترسيخ مبدأ شراكة الجميع في إعادة بناء ما دمره التنظيم ".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.