نساء عراقيات في مظاهرة/وكالة الصحافة الفرنسية
نساء عراقيات في مظاهرة/وكالة الصحافة الفرنسية

بغداددعاء يوسف:

شعرت الشابة العراقية تقى علي، بعد أن انقضت سنوات دراستها الجامعية، أن الوقت قد حان للموافقة على الشاب الذي كان يريد الزواج منها. لكن بعد وقت قصير من خطبتها له، أدركت أنها أخطأت في الاختيار.

تقول تقى، 25 عاما، في حديث لموقع (إرفع صوتك) "لقد وجدت أنه من الصعب الاستمرار معه. وشعرت أنني سأكون تعيسة لأن نمط حياته يختلف كثيراً عن حياتي التي اعتدت العيش فيها".

وتروي أن خطيبها السابق كان يحاسبها على سلوكها وأسلوب حياتها، متذرعا بالدين. "كان يتعامل معي بعنف حتى كرهت كل شيء يتعلق به أو بالدين".

في إحدى المرات، تلقت تقى مكالمة هاتفية من إحدى صديقاتها، لكن خطيبها الدائم الشك بها اعترض ولم يصدق أن الاتصال كان من فتاة. "كان يقول لي إن مصيري النار لأنّني لا أطيعه"، تقول تقى التي تؤكد أن علاقتها مع الدين بعد انفصالها عن خطيبها تغيّرت.

عاشت الشابة أزمة نفسية حادة بسبب تلك العلاقة. "كنت أشك بنفسي أحيانا. ولم أفهم لماذا يجب أن يكون الدين في صلب علاقتي الشخصية".

اقرأ أيضا:

بعد داعش.. أزياء النساء العصرية تعود إلى الموصل

العراقية.. كيف تغيرت حياتها عن أمها وجدتها؟

تغيّرت نظرة الكثير من الشابات العراقيات للدين وعلاقتهن مع مجتمعاتهن بسبب الظروف التي تعرضن إليها. وذهبت ردود فعلهن أحيانا إلى أقصى التناقض عن السابق. فقد قامت سوسن جاسم، 42 عاماً بخلع الحجاب عن رأسها بعدما بدأ تنظيم داعش بتنفيذ ممارساته المتشددة وجرائمه في المناطق التي سيطر عليها في العراق.

تقول السيدة التي تدير ورشة لخياطة الملابس النسائية ببغداد في حديث لموقع (إرفع صوتك) إنّها ارتدت الحجاب عن قناعة، إيماناً منها بتطبيق تعاليم الدين الإسلامي.

لكن الجرائم الإرهابية التي حدثت، على حد قولها، "والترهيب الذي تعرضنا له كنساء وخاصة ما قام بفعله عناصر داعش مع العراقيات من قتل وتعذيب واغتصاب ومذلة بوصفها تطبق تعاليم الدين الإسلامي، صرت لا أطيق النظر إلى نفسي وأنا أرتدي الحجاب. فخلعته ولن أعود إليه".

وتشير سوسن إلى أنها ليست الوحيدة، "فهناك الكثير من النساء اللواتي كن ملتزمات دينياً قد تغيرت أفكارهن وصرن لا ينظرن لانتمائهن الديني من خلال الملابس الظاهرة بل صارت المواقف هي الفاصلة بهذا الشأن".

التحكم بحياتها كلها     

وإذ دفع داعش المنتمين إليه وبعض مناصريه إلى أقصى التطرف الديني، نتج عن ممارسات التنظيم في المقلب الآخر تغيير في الوعي الجماعي وتوق للحرية. وهذا ما عبّرت عنه صور كثيرة للذين تحرروا من قبضة داعش، فقام الرجال بحلق اللحى والنساء بخلع السواد.

ومن انعكاسات ممارسات التنظيم، باتت هناك عوائل عراقية صارت ترفض تزويج بناتها من المتشددين دينياً. وتقول أنوار راضي، وهي أم لثلاث فتيات جامعيات، إنها رفضت عدة شبان تقدموا للزواج من بناتها بسبب التزمت الديني.

"الشاب المتطرف دينيا يمكنه أن يدمر حياة ابنتي، لأنه قد يختار التعاليم الإسلامية الممتلئة بالعنف عند تطبيقها على زوجته"، تقول السيدة.

وتضيف "كلما زاد تعلقه بالدين، كلما قل تعامله الإنساني مع زوجته، بحجة اختبار إيمانها وقوة تحملها إذ ما جادله أحد ما أو قام بمناقشته".

وتتابع السيدة التي تعمل في وظيفة حكومية "معاناة المرأة بعد الزواج يتم تجاهلها من قبل المجتمع بشكل مخيف".

وتقول أنوار إنها شهدت العديد من القصص لصديقات لها زوّجن بناتهن ومن ثمّ تطلّقن بسبب معاملة سيئة من الزوج "بررها أحيانا بالدين مع أن هذا السلوك لا يتماشى مع التعاليم الدينية بالضرورة".

صورة المتدين

هذا الشعور تجاه الرجل الملتزم بالتقاليد الدينية لم يكن هكذا في السابق. حيث بدأت حدته بالتزايد مع الصراعات الطائفية عام 2006، والتي تضافرت مع الظروف الأمنية غير المستقرة  واللجوء إلى ممارسة العنف مع المختلف دينياً وصولاً إلى ظهور تنظيم داعش الإرهابي ومحاولاته في نشر الافكار المتطرفة باسم الإسلام.

وتتجاوز الخلافات الطائفية وظهور تنظيم داعش عند سعد كريم، 56 عاماً، مجرد أن يكون هذا الفرد متديناً أو لا، "إذ تنبئ بصورة العنيف الشكاك بمن حوله والمتزمت بأفكاره وعلاقاته".

ويضيف في حديثه لموقع (إرفع صوتك) "لقد صرت أنظر لكل من يواظب على ارتياد المساجد ليحضر الصلاة بريب وتوجس لأن كل المتطرفين والمشتبه بهم في تنفيذ عمليات التفجيرات الإرهابية باسم الدين كانوا قد اتخذوا من المساجد مقرات لهم".

ويشير سعد الذي يدير محلاً لبيع الملابس الرجالية ببغداد، إلى أن الكثير من الناس صاروا اليوم بعد هذه الأحداث يشعرون بالقلق من الرجل تحديداً الذي يتردد على المسجد أو يرتدي الزي الإسلامي أو يظهر كراهيته وامتعاضه من الحريات الشخصية التي لا تتناسب مع توجهاته وأفكاره الدينية.

وفق منظور ديني

أما الخبير بعلم النفس الاجتماعي رياض الياسري فيرى أنه كلما اشتدت الصراعات التي تتبنى التطرف الديني والفكري في البلاد تزداد حيرة الناس وتلجأ الكثير من العوائل إلى الابتعاد عن كل شيء يتعلق بالدين ورجاله كحل لدرء خوفهم من أن يكونوا من بين ضحايا هذه الأزمات.

ويقول في حديث لموقع (إرفع صوتك) إنّ "المجتمع العراقي بدأ يفقد ثقته بكل من يحمل توجهات دينية. لأنه بات يشعر وكأن ما حدث منذ العام 2003 من قتل وتدمير هو بسبب الايدولوجية الدينية التي يتبناها هذا الشخص أو ذاك".

ويضيف "لو نتفحص البيئة الاجتماعية بدقة سنكتشف أن العنف الأسري والطلاق والزواج المبكر وغيرها الكثير من الظواهر المنتشرة تعود لجذور دينية أو لمسببات ودوافع تتعلق بالتطرف".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.