رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي
رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي

"حربنا المقبلة ستكون ضد الفاسدين"، يقول رئيس الوزراء العراقي الذي يعيش نشوة الانتصار ضد تنظيم داعش الذي سيطر عام 2014 على أجزاء واسعة من البلاد.

لكن القوة في حرب الفساد لا تقاس بقوة السلاح أو عدد الجنود، بل تحتاج إلى غطاء سياسي وقانوني، فهل يستعد العراقيون لمرحلة جديدة؟ خاصة مع اقتراب استحقاق الانتخابات.

أستاذ العلوم السياسية في جامعة المستنصرية محمد هاشم البطاط يقول لـ"موقع الحرة" إن "حمى التنافس السياسي بدأت، وبعد تحقيق الانتصار العسكري على داعش، يبدو وكأن العبادي أراد إضافة مكسب لرصيده السياسي" بإعلان الحرب على الفساد والفاسدين.

واعتبر البطاط أن هناك عاملا آخر، هو الضغوط على العبادي في "مواقع التواصل الاجتماعي ومن منظمات المجتمع المدني تطالبه وتقول له: كما انتصرت على داعش عليك أن تنتصر على الفساد، لأن لداعش وجهان وجه عسكري وآخر سياسي متمثل في الفساد".

من المقصود؟

المحلل السياسي العراقي إحسان الشمري يقول في حديث لـ"موقع الحرة" إن استراتيجية العبادي لمحاربة الفساد ليست موجهة ضد حزب أو جهة سياسية، بل هي موجهة ضد كل من تورط في قضايا الفساد "سواء كانوا سياسيين، أحزاب، زعامات وشركات ورجال الأعمال، فهو لا يستهدف البعد السياسي في محاربة الفساد بل يستهدف الفساد وكل من تورط به".

وأشار رئيس الوزراء العراقي خلال خطابه الأسبوعي الثلاثاء إلى الكشف عن "وجود شراكة بين بعض الفاسدين ومهربي نفط كردستان".

وكان ملف النفط في كردستان نقطة خلاف ساخنة في الأزمة الأخيرة بين الحكومة الاتحادية ورئاسة الإقليم على خلفية استفتاء على الاستقلال أجري في 25 أيلول/سبتمبر الماضي.

أستاذ العلوم السياسية البطاط يرى أنه لابد من البحث في "المسكوت عنه في خطاب العبادي أو ما بين السطور"، مرجحا أن تكون الحكومة الاتحادية قد كشفت عن ملفات جديدة بعد سيطرة القوات العراقية على كركوك.

وفي تلك الملفات، يضيف البطاط "يبدو أن هناك تواطؤا، ولا أدين أحدا لأن هذه القضية تحتاج لتحقيق لإثباتها، أقول ربما هناك أطراف في بغداد متورطة أيضا في هذه الصفقات".

وسبق للعبادي أن تحدث عن "مسؤولين في إقليم كردستان تورطوا في قضايا تهريب النفط"، وهؤلاء وغيرهم حسب الشمري "لابد أن يخضعوا للقانون العراقي والمساءلة، فلا يوجد شخصية فوق القانون".

اللعب على الهوامش

السؤال الأكثر حرجا، حسب تعبير البطاط هو "هل يسمح الوضع الحالي وطبيعة التوافقات والمشهد السياسي في البلاد للعبادي أن يمضي قدما في هذه الحرب؟".

يعتقد البطاط أن التحديات التي تقف في وجه العبادي كثيرة، لكن من "الممكن أن يلعب العبادي على الهوامش، وأقصد بها شبهات الفساد التي لا تطال كبار المسؤولين وإنما تطال مدراء عامين ووكلاء ووزراء، أما الصفقات الكبيرة فلا أعتقد أن الأشهر الأخيرة للحكومة ستشهد فضيحة من هذا العيار الثقيل".

وتوقع الشمري من جهته أن يواصل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد برئاسة العبادي مهماته في المرحلة القادمة وأن يفعل دور المفتشين العمومين مع استمرار التنسيق مع هيئة النزاهة، مشيرا إلى "أنها إجراءات قد لا تظهر سريعا لكن بكل الأحوال سيكون لها أثر في القضاء على الفساد".

هل سينجح العبادي؟

رغم أن العبادي حقق انتصارا عسكريا على داعش، "إلا أن طبيعة العدو في الحرب على الفساد مختلفة"، حسب البطاط.

فالعبادي هنا ، كما يوضح البطاط، "أمام جهات سياسية في عراق ما بعد عام 2003 (نظام المحاصصة)، والذي يطلق عليهم اسم الشركاء، وفي هذه الشركة لطالما أنزل الستار على الكثير من ملفات الفساد بحجة أنها تضعنا في موقف حرج أمام الشركاء".

ويطرح البطاط سؤالا: "من هي الجهة التي سيجعلها العبادي قربانا لفتح ملفات الفساد؟ هنا لا أعتقد أن كل الجهات يمكنها أن تلعب خارج الصندوق الأسود، ولا يمكن فتح ملفاتها لأنها ستفتح ملفات لديها بالمقابل".

واعتبر الشمري أن الانتصار على داعش "كان حلما في يوم من الأيام والآن نحن في المرحلة الأخيرة لتحقيق هذا الحلم"، وأضاف أن "العبادي سينجح في تقويض الفساد، وقد لا يكون القضاء عليه في ظرف أيام وأسابيع وأشهر".

وأكد الشمري أن القضاء على الفساد بحاجة إلى توافق وتعاون من جهات سياسية مع العبادي، مستبعدا حدوث ذلك لوجود جهات سياسية ستكون حاجز صد "أمام إجراءات رئيس الوزراء".

خاص بـ"موقع الحرة"

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.