رمان وفير تنتجه بساتين صلاح الدين/وكالة الصحافة الفرنسية
رمان وفير تنتجه بساتين صلاح الدين/وكالة الصحافة الفرنسية

صلاح الدين - هشام الجبوري:

بعد أن كان العراق أحد الدول التي تنتج وتصدر أصنافا مختلفة من المحاصيل الزراعية، بات اليوم رهنا بالمنتوج المستورد الرخيص في ظل غياب سياسة حماية المنتوج الوطني، وهو ما انعكس سلبا على الإنتاج الزراعي في مناطق عرفت طويلا بوفرة ذلك الإنتاج وتعدد أنواعه ومصادره.

"برتقال ديالى وأعناب بلد وبطيخ سامراء وطماطة ربيعة"، منتجات كانت تزين المائدة العراقية لفترات طويلة قبل أن تقضي عليها المحاصيل المستوردة، كما يقول راجي ياسين، وهو بقّال فواكه وخضروات منذ أكثر من 25 سنة.

يقول "المواطن أصبح يفتقد عبق ونكهة الفاكهة العراقية التي كانت تتميز برائحة عطرة وطعم مميز، فالفلاحون لا يستخدمون الأسمدة المركبة أو أي من المنشطات النباتية التي تؤثر على جودة المنتج".

غياب الرقابة الحكومية على البضاعة المستوردة، دفع (أبو أكرم) وهو فلاح من أهالي منطقة الدجيل المعروفة بغنى منتوجها الزراعية لرفع الصوت احتجاجا على ما آلت إليه أوضاعه القريبة من أوضاع آلاف المزارعين والفلاحين العراقيين اليوم "نحن نزرع ونربي ونحصد وفِي نهاية الموسم نطلع مطلوبين فلوس".

يشاطره الرأي المزارع من مناطق الثرثار شمالي غرب صلاح الدين، حازم عبود، الذي أكد لموقعنا أن المحاصيل تباع بأسعار قليلة جداً، فكيلو الطماطم مثلا يصل إلى 250 دينارا (أقل من ربع دولار) وهكذا بقية المحاصيل التي باتت زراعتها تكلف أكثر من قيمة بيعها، فهي "لا تسد أجور عملها ما جعلنا نلجأ إلى مصادر رزق أكثر نفعاً كالتجارة وغيرها، بعد ان أصبح المزارع والفلاح أضحوكة للجميع بفضل عدم وجود سياسة زراعية تدعم بقاءه في هذه المهنة التي توارثها أبا عن جد".

من نصف مليون طن إلى 40 ألفا؟

وثمة من يرى أن عوامل كثير أسهمت في تراجع الغلة الزراعية في المحافظة آخرها كان الارهاب الذي ألحق الضرر بالبساتين والحقول في المدن الواقعة جنوبي المحافظة خصوصا (بلد والدجيل) اللتين تشتهران بالزراعة ما دفع الكثير من الفلاحين والمزارعين إلى ترك منازلهم، كما يؤكد رئيس لجنة الزراعة في مجلس محافظة صلاح الدين فيصل الجبوري في حديث إلى (إرفع صوتك).

وبيّن المسؤول المحلي أن الإنتاج المحلي لمحصول الحنطة الذي تشتهر به مدن المحافظة تراجع من 535 ألف طن في  2013 و 2014 إلى 40 ألف طن في العام الماضي، لكنه في تصاعد مستمر حيث وصل إنتاج العام الحالي إلى 185 ألف طن، متوقعا أن يتضاعف الرقم في العام المقبل "بعد إعداد خطة مدروسة من قبل لجنتنا بالتنسيق مع مديرية زراعة المحافظة"، دون أن ينسى الإشارة إلى  إن الوضع الأمني وكثرة الحواجز ونقاط التفتيش في الطرقات، عوامل تقف عقبة أمام حركة الفلاحين وتسويق منتوجاتهم .

دعم حكومي للفلاحين.. لا دعم؟

غير إن الحكومة تتحدث عن قرارات لدعم الفلاحين، منها منع استيراد بعض المحاصيل ما أسهم في زيادة الطلب على الناتج المحلي، كما يوضح المهندس زيد أحمد من مديرية زراعة صلاح الدين، مؤكدا في حديث إلى (ارفع صوتك) توفير الحكومة للسماد والمبيدات الحشرية بأسعار مخفضة فضلا عن دعم الفلاحين عبر توفير القروض الميسرة لهم.

لكن ما يقوله المسؤول الزراعي المحلي ينفيه د. زياد الفضل الأستاذ في كلية الزراعة بجامعة تكريت  "كوني متخصصا في الزراعة ومزارعا في الوقت ذاته فيمكنني القول إن السبب الرئيسي هو غياب الدعم الحكومي وإن وجد فهو لا يرتقي للمستوى المطلوب ولا يذهب للمزارع الحقيقي إنما للمسؤولين والمتنفذين".

قيظ العراق اللاهب

ويشير الفضل إلى ظاهرة الأسواق المفتوحة أمام الكثير من "الشركات غير الخاضعة لمراقبة القانون وهدفها الربح لا أكثر ولا يهمها المزارع"، فضلا عما يعرف بالتغيرات المناخية والتلوث البيئي، إذ أثر ذلك على المواسم الزراعية ونمو أشجار البساتين "عندنا أشجار الفاكهة النفظية تحتاج إلى 1000 ساعه حرارة منخفضة أقل من 7 مئوية وإذا لم تحصل عليها سوف لن نصل للإنتاج الأمثل". وسببت مشكلة حرارة الصيف التي تصل إلى أعلى من 50 درجة مئوية، موت الكثير من الأشجار، كما إن الارتفاع المفاجئ للحرارة من برودة في الشتاء إلى قيظ لاهب في الصيف منع المحاصيل من أخذ الوقت الكافي لتطورها ونضجها خصوصا للحبوب: الحنطة والشعير، فأغلب المزارعين يشكون من أن السنابل فارغة ولا تحتوي بذورا، أما التلوث والغبار فهما مشكلة إضافية حيث تتشكل طبقه فوق أوراق النباتات تمنع التبادل مع محيطها الخارجية مما يعني موت النباتات.

تأثير النفط

وبتركز الاقتصاد العراقي على النفط، تم إهمال بقية القطاعات الأخرى كالصناعة والزراعة التي تعد شريان الحياة في الكثير من الدول، بحسب المراقب الاقتصادي موسى رشدي  الذي يقول لـ(إرفع صوتك) إن "تراجع الإنتاج الزراعي جعل الفلاحين من ضمن المواطنين الفقراء بعد أن كانوا يعتبرون من الأغنياء اجتماعيا".

 

 

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.