البصرة - مشعل العبيد:
قريبا من "جامع خطوة الإمام علي ابن أبي طالب"، بقضاء الزبير غرب محافظة البصرة، تتناثر حجارة مدينة أثرية قيل إنها مدينة البصرة القديمة في بداية العصر الإسلامي.
مدن قامت حضاراتها في أطراف البصرة، توثق لعهود خلت وأمم وضعت أسس حضاراتها على الماء والطين.
إسلامية وفرثية وساسانية
تمتد الشواهد التاريخية في البصرة إلى نحو ستة وثلاثين ميلا مربعا في منطقة الشعيبة، بالإضافة إلى قبر الحسن البصري بمقبرة الزبير وبعض البيوتات القديمة التي لم تثبت فيما إذا كانت قبل الميلاد معابد فارسية أم غيرها، حسب الخبير بالتاريخ والتراث هاشم العزام.
ويرسم العزام في حديثه إلى موقع (ارفع صوتك) ملامح لمدينة البصرة القديمة الإسلامية، فهي تمتد على مساحة كبيرة تتصل بها مدن أقدم منها كمدينة (خيابر) شرق البصرة وقريبا من حقول مجنون النفطية، ومدينة (طريدون) التي لا يزال هناك اختلاف على تحديد موقها بشكل دقيق.
وهناك شواهد أخرى بينها مرقدا الزبير وطلحة اللذان يعودان إلى العصر الإسلامي، ومواقع تاريخية مختلطة بين العصور الإسلامية والساسانية والفرثية.
وثمة معالم تاريخية ضاعت بسبب الإنشاءات المعاصرة، كما في حال (دار أنس بن مالك) وأقيم عليها مصفى البصرة بمنطقة الشعيبة.
مدينة الإسكندر
كثرة المواقع الأثرية في مدينة البصرة "حالت دون التنقيب فيها جميعا"، كما يوضح مفتش دائرة الآثار والتراث في البصرة قحطان عبد علي العبيد.
ويضيف العبيد أن مدينة كراكس سباسينو بحسب التسمية اليونانية أو (خيابر)، هي إحدى مدن الإسكندر المقدوني المفقودة في العراق، والتي يتم العمل عليها حاليا مع بعثة جامعة مانشستر المتعاقدة مع هيئة الآثار منذ سنتين، حيث حصلت البعثة على نتائج مبهرة استخدام التكنولوجيا الحديثة لإجراء المسوحات الرادارية على الموقع.
ومن المواقع المهمة هو موقع الفرات أو ما يسمى محليا بـ"المقلوبة" بناحية الزريجي شرق مدينة البصرة، ويعتقد الخبراء أنه ميناء مدينة كراكس سباسينو وهو الميناء الأقدم والأكبر للعراق القديم، بحسب الخبير الآثاري العبيد.
تلال حرير من طين؟
هناك أيضا مواقع أثرية أخرى كتلال حرير والتلال القريبة من الأهوار، وتصل إلى نحو مئة وعشرين موقعا أثريا.
ويؤكد العبيد أن هناك اهتماما كبيرا بتلك المواقع و"ليس كما يظن الآخرون بأنها مهملة"، لكن سعة مساحتها وقلة كوادر حمايتها من شرطة الآثار، ومع عدم وجود أية ميزانية مالية لدائرة الآثار في البصرة، أوقف أعمال التنقيب فيها.
ويشير الخبير الآثاري إلى ملمح بارز في الحضارات العراقية القديمة، يجعلها مختلفة عن حضارات العالم، فهي تحتاج إلى طريقة مختلفة في اكتشاف المواقع الأثرية كونها طينية وليست حجرية، و"أهم طريقة لحمايتها هو إعادة دفنها بعد استحصال المعلومات العلمية والتاريخية إذا لم تتوفر الميزانيات الخاصة بالصيانة المستمرة والدورية".
"مجرد تراث"!
وتتطلب مسألة الاحتفاظ بالآثار والتراث والاعتزاز به والتمسك به وصيانته نوعا من الوعي المجتمعي والحضاري، وهو ما يبدو مفتقدا اليوم، ليس في البصرة وحسب بل في عموم العراق، كما يلفت أخصائي علم النفس المعرفي بكلية التربية في جامعة البصرة الدكتور عياد إسماعيل صالح.
وينظر صالح بنظرة ناقدة إلى طريقة تعاطي المواطن العادي بل وحتى المواطن المتعلم المثقف، إلى ذلك الإرث وكونه "مجرد تراث"، دون احترام ما فيه من دلالات ورقي وعلاقات اجتماعية وقانونية واقتصادية متقدمة.
هذه المدن التراثية والأثرية التي تتوزع البصرة ومناطق أخرى من العراق، ظلت "حبيسة النظرة المحدودة والعابرة وحبيسة محدودية المعرفة لدى الإنسان البصري والعراقي"، كما يؤكد صالح، معتبرا وصفه هذا "ليس تجنيا بل تشخيصا لثقافة عامة سائدة في التعامل مع الآثار".
لا الخيط ولا العصفور؟
نظرة غير متفائلة وخيبة أمل وحسرة على ما ضاع وما فقد من تاريخ و إرث العراق والبصرة، هي ما انتهت إليه، نهاد الحمداني خريجة قسم التاريخ بكلية التربية جامعة البصرة في حديثها القصير مع موقعنا.
ويبدو أن ما عرفته الحمداني عن إرث مدينتها وبلادها الحضاري لا صلة له بالواقع، "لو كان في بلد آخر، لكان بديلا عن النفط وعامل جذب سياحي كبير، لكن العراقيين أضاعوا الخيط والعصفور".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659