بغداد – دعاء يوسف:
من خيمة في مخيم التكية الكسنزانية تطل فتاة، وخلفها يعلو صراخ أمها. تتجاهل الفتاة الصراخ، حتى تلحق بها أمها وتمسكها من غطاء شعر رأسها وتجرها إلى داخل الخيمة.
هكذا كان حال وفاء، 16 عاماً، خلال السنتين الماضيتين، إذ منعت هي وغيرها الكثير من النازحات الخروج من خيامهن خوفاً من تعرضهن لاعتداءات وتحرشات جنسية.
خشيتها من الفضيحة
بدأ خوف أمها في نهاية عام 2014، بعد النزوح من الرمادي إلى بغداد. وكانت وفاء قد أخبرتها عن تعرضها لموقف لم تفهمه، إذ نادى عليها أحدهم من خيمته وعندما التفت إليه كان قد فتح سحاب سرواله، فركضت هاربة.
حسب الأم، كان الشاب يتحرش بابنتها وكرر عبارات عن الجنس أمامها بشكل غير لائق.
وتكشف أم أحمد عن خشيتها من الفضيحة إذا ما لمح أحد ابنتها. "لن يقولوا تحرش بها دون رغبتها، بل سيفضحونها ويتحدثون عن شرفها بالسوء".
بعد تلك الحادثة، قررت الأم منع ابنتها من الخروج بعيدا عن عينها. تقول في حديثها لموقع (ارفع صوتك) إن الكثير من الفتيات في المخيم تعرضن لاعتداءات وتحرشات "ومنهن من وقعن ضحية التشهير والفضيحة ومنهن من لم نعد نراهن أو نجد لهن أثرا".
نينوى وصلاح الدين
وكانت نتائج المسح الوطني للنازحين، الذي أجرته وزارة التخطيط العراقية عام 2014، أن (2269) من الأسر النازحة تعرضت نساؤها للانتهاكات. أما عدد الأسر التي تعرض أطفالها من الإناث بعمر أقل من 18 سنة إلى الانتهاك فقد بلغ (1273) أسرة. وجاءت أعلى النسب في محافظة نينوى تلتها محافظة صلاح الدين.
المفوضية العليا لحقوق الإنسان حذرت من تفشي ظاهرة التحرش الجنسي بالفتيات والأطفال في مخيمات النازحين وتزايدها بشكل خطير، مؤكدة أن من حالات التحرش لا يتم الكشف عنها، خوفاً من عوائل اللواتي تعرضن للتحرش أو من المتحرشين.
ودعت المفوضية إلى الإسراع بإعادة النازحين إلى مناطقهم وتوفير التدابير الأمنية والحياتية اللازمة لحياتهم، للحفاظ على كرامة العوائل العراقية ومنعاً من تفشي الظواهر السلبية بين أفراد المجتمع.
غسل العار
في سجلات مراكز الاستماع في بغداد، تشتكي نازحة في الـ37 من العمر من تعرضها المستمر للاعتداءات الجسدية والابتزاز من قبل حارس لأحد المخيمات. وقد حاولت النازحة الهرب، ولكنها قالت إنه "يراقبها ويتوعد أنه سوف يحصل عليها رغما عنها ودون رغبتها".
وقد اعتبرت مؤسسة تومسن رويترز في تقرير صدر لها عام 2015 العراق ثاني أسوأ مكان في العالم العربي يمكن أن تعيش فيه المرأة.
وتؤكد الخبيرة بعلم النفس الاجتماعي نوال الياسري أن المخيمات كونها بيئة مغلقة وبعيدة عن الأعين بيئة تتفاقم فيها الضغوطات الجنسية والتحرش بالنساء، نظرا للاكتظاظ الذي تشهده، وقرب الخيم من بعضها البعض.
وتقول في حديث لموقع (ارفع صوتك) "إذا ما تعرضت نازحة للتحرش الجنسي أو الاغتصاب، فإن عليها إثبات ذلك بدليل". وتتساءل "لكن في مجتمع محافظ وعشائري ماذا سيكون مصيرها؟".
وتؤكد أن الكثير من النساء اللواتي اختطفن على يد عناصر داعش قتلن بذريعة غسل العار بعد تحريرهن، لأنهن مغتصبات وليس لديهن قدرة على حماية أنفسهن. "لا تتقبل العشيرة أو الأهل عار اغتصابها أو اختطافها فيقتلونها. وكذا الحال مع ضحية التحرش. لا فرق نفس العار وطريقة الخلاص منه أو غسله".
والأطفال أيضا
إضافة إلى ما سبق، ترى بشرى العبيدي، الأكاديمية في القانون الجنائي الدولي وعضوة المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، أن ظاهرة التحرش الجنسي في مخيمات النازحين تفاقمت بشكل مخيف. "هناك مشكلة كبيرة وهي حشر العوائل بأفرادها من مراهقين وأطفال في مكان واحد".
مع استمرار بقاء الكثير من العوائل النازحة من المدن التي كانت تحت سيطرة داعش رغم تحريرها من الجيش العراقي، ظهرت كثير من المؤشرات على تعرض الأطفال والنساء للتحرش الجنسي.
العبيدي حصلت على الكثير من المعلومات عن أطفال صار الجنس "من بين ألعابهم المفضلة". وقد حذرت من تنامي هذه السلوكيات في المخيمات.
ويختلف عدد أفراد الأسرة الواحدة في المخيمات، فالحد الأدنى هو أربعة أطفال، وقد يصل أحيانا إلى 15 فردا وربما أكثر يعيشون بخيمة واحدة، ما يعني أن كل شيء يحدث أمام الأنظار حتى الحياة الزوجية. "اطلاعهم على كل شيء يولد الكبت النفسي وتبدأ ترجمته بحالات تحرش بكل مستضعف يجدونه مباحا أمامهم".
وتوضيحاً لمعاناة النازحات، تقول العبيدي "كثيراً ما تسعى الأمهات للسكوت والتستر على ابنتها من التحرش الجنسي، لأنه غالباً ما تكون نتيجة اكشف ما حدث معها معاقبة المتحرش بها بالضرب والحبس داخل المنزل أو قتلها تحت عنوان غسل العار".
وتضيف أن حالات غسل العار أو قتل الفتيات والنساء النازحات انتشرت، لكن دون الإعلان عنها، إذ لا يعترف الأهل بجريمة غسل العار، بل يقولون إنها قد انتحرت أو احترقت أو أصيبت بمرض وفقدت حياتها".
المعلن عن جرائم غسل العار لا يظهر خمسة بالمئة من الحقيقة، حسب العبيدي، التي تسند كلامها إلى تلقي دائما معلومات من التبليغات القريبة من عائلة الضحية.
يقدم نشطاء المجتمع المدني الذين يهتمون بقضايا حقوق الإنسان ومنهم بشرى العبيدي الدعم للأسر النازحة في المخيمات من خلال برامج للتوعية والتثقيف، ولكن القضاء على ظاهرة التحرش يتطلب إعادتهم إلى مدنهم ومساكنهم، وهي من الحلول التي تعدها العبيدي خيالية، "إذ لا يمكن تحقيقها مع واقعنا الحالي الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالفساد الذي أضاع الأموال المخصصة للنازحين وإعمار مدنهم".
وفقاً للعبيدي "ستبقى المشاكل تولد مشاكل لأن هناك الكثير من العقبات التي تواجه عودة الأسر النازحة لمدنهم، على سبيل المثال، أن غالبية مدنهم غير صالحة للسكن".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659