قوات أمن كردية تطارد متظاهرين في مدينة رانية بمحافظة السليمانية/وكالة الصحافة الفرنسية
قوات أمن كردية تطارد متظاهرين في مدينة رانية بمحافظة السليمانية/وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم علي قيس:

تستمر التظاهرات في محافظة السليمانية بإقليم كردستان شمالي العراق، مع أحاديث عن اعتقالات وممارسات عنف تستخدمها القوات الحكومية الكردية ضد المتظاهرين.

رئيس الحكومة، القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي، دعا بدوره السلطات الأمنية في كردستان إلى "احترام التظاهر السلمي"، مؤكدا خلال مؤتمر صحافي "لن نقف متفرجين إذا صار قمع للمواطنين. أنا أقول لن نقف متفرجين".

وقال العبادي "واجب القوات الأمنية أن تحمي المتظاهرين وتمنع التجاوز على الأملاك العامة والخاصة، وأنا أصدر أوامر للقوات الأمنية بحماية المواطنين في كل العراق فهذه مسؤوليتها".

إجماع على تدخل بغداد

على الصعيد ذاته، يجمع نواب على ضرورة تدخل حكومة المركز على خط حل أزمة التظاهرات، خصوصا بعد تصاعد حدة الأزمة وحجم الخسائر بين صفوف المدنيين.

ويقول عضو مجلس النواب عن محافظة كركوك، التركماني حسن توران، "كان هناك تضخيم على وجود حقوق إنسان على مستوى عال وممتاز في الإقليم، إلا أن الأحداث الأخيرة أثبتت عكس ذلك".

وطالب سلطات الإقليم بالتعامل "بموجب الدستور والقوانين العراقية ومعايير حقوق الإنسان العالمية مع المتظاهرين، خصوصا وأن مطالبهم مشروعة".

وعلى الرغم من أن الحكومة العراقية أبدت استعدادها لدفع رواتب الموظفين بعد تدقيق القوائم، كجزء من حل الأزمة في إقليم كردستان، إلا أن توران يرى أن حجم المشاكل أكبر من ذلك، موضحا "هناك تعطيل لبرلمان الإقليم وانسحاب بعض الكتل السياسية من الحكومة".

وإذ يعتبر توران دور مفوضية حقوق الإنسان غائبا، رغم حجم الخروقات الإنسانية التي يتعرض لها المتظاهرون، يدعو في الوقت نفسه أعضاء المفوضية للذهاب إلى الإقليم و"تقديم تقرير لمجلس النواب، لتقييم لجان المجلس الوضع الإنساني، واقتراح المعالجات بما يضمن الحقوق الدستورية للمواطن في كردستان".

بغداد ملزمة؟

بدوره، يؤكد عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية ماجد الغراوي في حديث لموقع (ارفع صوتك) أن "الحكومة المركزية ملزمة بحماية المواطنين في الإقليم، كما أنها ملزمة بضمان تلبية مطالب المتظاهرين".

وهو ما يجعلها مسؤولة عن إرسال "لجنة حكومية لتلتقي بممثلي المتظاهرين وتجلس مع حكومة وبرلمان الإقليم وتخرج بتوصيات لحل الأزمة وتلبية المطالب".

ويؤكد أن حكومة بغداد ملزمة "بالبحث عن الأسباب التي أدت إلى قتل المتظاهرين، ومن أعطى الأمر بفتح النار عليهم".

ومن خلال المعلومات التي وصلت إلى لجنة الأمن والدفاع، "تم فتح النار على المتظاهرين خلال مصادمات بين المتظاهرين والقوات الأمنية"، وفقا لعضو اللجنة الغراوي.

ترحيب كردي

الإجماع على تدخل بغداد سياسيا لاقى ترحيبا من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني.

ويقول عضو برلمان الإقليم عن الحزب الكردستاني شيركو جودت لموقع (ارفع صوتك) "يجب أن يبدأ التفاوض بين بغداد وأربيل. بغداد مسؤولة عن إقليم كردستان كما هي مسؤولة عن جميع العراق".

ويتابع "مطالب المتظاهرين تتعلق بالرواتب وبعض الحقوق ومكافحة الفساد ومنظومة الفقر، التفاوض ممكن أن يشكل خطوة مهمة باتجاه توفير ما يطلبه المتظاهرون".

ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد خالد عبد الإله أن إمكانيات تدخل الحكومة ستكون محدودة، خصوصا وأن "هناك اتهامات لها بالوقوف وراء الحراك الشعبي في السليمانية"، معتبرا أن المسؤولية الدستورية والقانونية ستكون عامل حاسم في موضوع التدخل.

ويشدد عبد الإله على أن المعالجة ليست في استخدام القوة العسكرية، بل في "إرسال خطاب واضح وعقلاني للتقرب من المتظاهرين، إضافة إلى استخدام وسائل ضغط سياسية واقتصادية على حكومة أربيل".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.