ميسان – حيدر الساعدي:
اتخذت عدة جماعات من الأهوار مسكناً ومعيشةً منذ آلاف السنوات، واعتمدت في معيشتها على المياه للزراعة وتربية المواشي والصيد. لكن مخاوف سكان ما يعرف بـ"مملكة القصب" وصلت اليوم حدود العطش وتزايد قلقهم مع تناقص مناسيب المياه في أهوارهم. فهل اقتربت حكاية المملكة من جزئها الأخير؟
سكان الأهوار بين الرحيل والعطش
"حياتنا باتت قاسية جدا، وأصبحنا في حيرة من أمرنا فلا أسماك نصطادها ولا ماء نروي به ظمأ مواشينا. وما نملكه من قوت اليوم لا يكفي لسد رمق أطفالنا، ولا بد من الرحيل"، هكذا يلخص عدنان الغنامي، 65 عاما، معاناته في السكن بأهوار العراق.
ويتحدث سكان هور الحويزة بلسان واقع الحال، فهم ينظرون إلى مصدر عيشهم الوحيد وهو الماء يغادرهم بهدوء، في ظل غيابٍ وعجزٍ للحكومتين المركزية والمحلية عن مساعدتهم، فضلا عن إمساك السماء لقطرات المطر بحالة لم يشهدها شتاء العراق سابقاً، كما يروي عودة خلف، 73 عاما، والذي يعمل صيادا للأسماك منذ صغره في بركة أم النعاج.
الأهوار والتراث العالمي
ودخلت الأهوار ضمن لائحة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) للتراث العالمي كمحمية طبيعية دولية. لكن الباحث في شؤون الأهوار جاسب المرسومي يعرب عن قلقه من تراجع اليونسكو عن قرارها، بسبب ما يصفه بـ"سوء إدارة الموارد المائية في البلاد وتداخل الصلاحيات بين الجهات المعنية بشؤون الأهوار وغياب المركزية في إدارة ملف المياه، فضلا عن غياب المختصين عن اللجان المشكلة والتي بنيت على أساس المحاصصة والمجاملات".
موسم الصيهود
يؤكد الناشط البيئي أحمد صالح نعمة جفاف أغلب المسطحات المائية في محافظة ميسان، كأهوار العودة والبطاط والصحين والصيگل والسناف الذي لم يرَ الماء حتى الآن. ويشير إلى أن ما تبقى من نسب تتضاءل يوميا في هور الحويزة، وموسم الصيهود (موسم الحر وجفاف نهري دجلة والفرات في صيف العراق) هذا العام يختلف عن الأعوام السابقة فقلة الأمطار لم تقتصر على العراق فحسب بل جميع دول المنبع كسورية وتركيا وإيران.
ويضيف الناشط نعمة "هناك معلومات عن منحة مالية تقدر بـ150 مليون دولار من البنك الدولي، وتخصص لمشاريع المياه ودعم الأهوار وستشرف وزارة الصحة والبيئة على إنفاقها". لكنه يستبعد حدوث ذلك كون ملف الأهوار أصبح من الملفات الشائكة والمتداخلة بين وزارة الموارد المائية والصحة والبيئة فضلا عن وزارة الزراعة التي ترسم الخطط الزراعية الموسمية بمساحات لا يمكن تأمين الحصص المائية لها في ظل هذا العجز المائي وغياب المركزية في هذا الملف.
الخزين المائي لحوض دجلة
وتقدر حكومة ميسان النقص الحاصل بمناسيب المياه بنسبة 70%. وتحمل وزارة الموارد المائية مسؤولية التحكم بالحصص المائية المقررة لكل محافظة، من خلال تحكمها بالإطلاقات المائية عبر سد الكوت التي يعمل على إطلاق وتنظيم حصص واسط وميسان والبصرة إلى نهر دجلة.
ويقول رئيس لجنة الزراعة والري في مجلس المحافظة ميثم السدخان لموقع (ارفع صوتك) "لدينا مشكلة حقيقية في أذناب الأنهر المغذية لمناطق جنوب المحافظة والتي ضربها الجفاف وتسببت بتوقف محطات ضخ الماء للمواطنين".
وفد دولي في الأهوار
يؤكد حسن طرطوي عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، والذي زار هور الحويزة مؤخرا برفقة وفد مشترك بين وزارتي الموارد المائية العراقية والإيرانية، للاطلاع على الواقع المائي لمسطحات الأهوار وتداعيات انخفاض مناسيبها على نمط سكان تلك المناطق، أن الوضع المائي في هور الحويزة سيء جدا. "هناك قلة في مناسيب المياه، ومستقبل هذه المنطقة صعب جدا في ظل إنشاء سدود جديدة متمثلة بسد اليسو الذي سيبدأ بتخزين المياه في الفترة المقبلة".
ويؤكد طرطوي أن الخطر ليس على طبيعة المنطقة فقط بل على سكان الأهوار ومعيشتهم التي تعتمد على صيد السمك وتربية الجاموس.
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659