مدينة الحمدانية في سهل نينوى.. الدمار الذي خلفه داعش خلال ثلاثة أعوام من احتلاله للمدينة ما زال يطغي على ابنيتها
مدينة الحمدانية في سهل نينوى.. الدمار الذي خلفه داعش خلال ثلاثة أعوام من احتلاله للمدينة ما زال يطغي على ابنيتها

الموصل ـ رغيد ننوايا:

وسام جميل وسمير بهنام مواطنان مسيحيان من مدينة الحمدانية في سهل نينوى، لا يختلفان سوى أن الأول قرر العودة إلى مدينته بعد تحريرها من داعش في 23 تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2016، أما الثاني فما زال يفضل البقاء نازحاً في مدينة أربيل.

يتجول وسام جميل، (55 عاماً) الذي عاد العام الماضي 2017 إلى مدينة الحمدانية، وباشر بعمله كمعلم في إحدى مدارسها، مع أصدقائه يوميا في سوق المدينة الذي بدأ ينبض بالحياة مجدداً بعد أن تعرضت غالبية محاله للدمار والحرق على يد تنظيم داعش الذي سيطر على المدينة لنحو ثلاثة أعوام.

يوضح جميل لموقع (ارفع صوتك) سبب عودته إلى الحمدانية "عدتُ لأنني أحب هذه المدينة، وكذلك من أجل التخلص من حياة النزوح وإيجارات السكن الباهظة، والعودة إلى وظائفنا فمناطقنا بحاجة إلينا".

لكن سمير بهنام، (60 عاما)، الذي أوشك على التقاعد من وظيفته في مديرية صحة الحمدانية، ويعيش في مدينة أربيل مع عائلته، لم يقرر العودة بعد إلى منطقته في سهل نينوى، بل يؤكد أنه لن يعود إلى الحمدانية مجدداً بعد الأحداث التي شهدتها في آب/ أغسطس من عام 2014 اثر احتلالها من قبل مسلحي داعش.

ويوضح بهنام لموقع (ارفع صوتك) أنه يمضي غالبية وقته بالتفكير بالهجرة الى خارج العراق بعد انتهاء إجراءات التقاعد، مبينا "لماذا أبقى هنا؟ بيتي الذي عملت لسنوات من أجل بنائه، تحول على يد مسلحي التنظيم في الحمدانية إلى رماد، وانا الآن لم أعد قادراً على إعادة بنائه"، لافتاً إلى إن الحكومة لم تقدم أي تعويضات للنازحين الذين تضرروا جراء سيطرة داعش على مناطقهم.

وحدهم

ورغم عودة الحياة إلى غالبية مدن وبلدات سهل نينوى، إلا إن جو الدمار ونقص الخدمات الرئيسية ما يزال سيد الموقف، خصوصا أن عمليات إعادة اعمار محافظة نينوى التي حررت العام الماضي 2017 بالكامل من تنظيم داعش لم تبدأ بعد.

يصف الناشط المسيحي رياض كوركيس، الأوضاع في سهل نينوى بعد التحرير بالمتوسطة، أي ليست جيدة ولا سيئة في الوقت ذاته، ويقول لموقع (ارفع صوتك) "غالبية العائدين ما زالوا يشعرون بالخوف من تكرار ما حصل لهم، وقلقون من الوضع السياسي الضبابي في العراق"، موضحا أن اهمال الدولة لهذه المناطق يزيد من خشية المواطنين على مستقبلهم.

بدوره يشير الشاب نورس حبيب، الى أن المسيحيين في سهل نينوى يعيشون حياتهم اليومية بتوجس، ويضيف لموقع (ارفع صوتك) "يشعرُ المسيحيون أن مدنهم وأراضيهم مستباحة وهناك من يطمع بها وهذه المحاولات متكررة منذ زمن، وأنه لا يوجد من يساندهم أو يدافع عن حقوقهم".

عودة أكثر من ٧ آلاف عائلة مسيحية

لا توجد احصائيات دقيقة عن أعداد المسيحيين في سهل نينوى وفي الموصل قبل احتلالها من قبل تنظيم داعش في صيف 2014، فالعراق لم يجرِ تعداداً للسكان منذ عام 1997، لكن الاحصائيات غير الرسمية تشير الى إن سهل نينوى كان يحتضن قبل هجمات داعش أكثر من ٢٠ ألف عائلة مسيحية.

ويكشف عضو مجلس محافظة نينوى عن المكون المسيحي، داود بابا، لموقع (ارفع صوتك) عن أعداد العائلات المسيحية العائدة إلى مدن وبلدات سهل نينوى "عادت حتى الآن أكثر من 7 آلاف عائلة، لكن بالنسبة للمدينة الموصل ليست لدينا أي أرقام عن عدد المسيحيين فيها".

ويشير المسؤول المحلي الى أن "تأخر عودة المسيحيين يعود إلى تخوفهم من عودة العنف وانعدام الضمانات الحقيقية لعيشهم بسلام في هذه المناطق"، مشددا على حاجة المدن المحررة إلى ترسيخ روح التعايش السلمي وقبول الآخر بين سكانها كي تعود الحياة إليها من جديد.

بلدات مسيحية مهجورة

ويحمّل داود بابا، الحكومتين الاتحادية في بغداد والإقليمية في أربيل، مسؤولية تأخر عودة النازحين إلى مدينة تلكيف والقرى والبلدات التابعة لها، موضحا "أصبحت مدينة تلكيف وأطرافها، مناطق صراع بين بغداد وأربيل، والسكان يخشون من العودة إليها" دون أن ينسى مطالبة الجانبين والأمم المتحدة بإبعاد هذه المناطق عن الصراع.

لا تكفي لإعمار قرية

ويكشف بابا عن الأموال التي استلمتها الموصل العام الماضي من بغداد "وصلت محافظة نينوى من بغداد العام الماضي 2017 نحو 48 مليار دينار كميزانية، إضافة إلى نحو ٣ مليارات دينار من حصتها من البترودولار (قانون البترودولار في العراق ينص على منح كل محافظة منتجة للنفط حصة بالدولار الأميركي عن كل برميل نفط يصدر منها)"، واصفا ما استلمته المحافظة العام الماضي من أموال بأنها لا تكفي لإعمار قرية.

وتابع بابا "ما يهمنا في سهل نينوى حاليا هو تبليط الشوارع، لأننا عمّرنا بيوتنا بمساعدة الكنيسة والمنظمات الداعمة، ونطمح أن تبادر الحكومة بتعويض الناس جراء الحرب مع داعش".

 

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 001202277365

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.