جدران مبنية من أسلاك الحديد وكتل الخرسانة، مع بوابات لمرور المشاة، تمر عبر قضاء طوز خورماتو (جنوب كركوك)، وتحولها إلى مدينة من الجدران.
يقع القضاء على الطريق الرابط بين بغداد وكركوك، ويتبع إداريا لمحافظة صلاح الدين.
تستحضر جدران طوز خورماتو بشكلها جدار برلين: كتل خرسانية شاهقة تصطف في صف واحد، ولا يمكن عبورها.
في السنوات الماضية، ارتفعت الجدران في هذا القضاء للحماية من السيارات المفخخة، ثم قام التركمان الشيعة ببنائها للاحتراس من تنظيم داعش في عام 2014.
يتجاوز ارتفاعها الثمانية أقدام، تحيط بالمنازل أحيانا، وتقطع شوارع القضاء في أحيان أخرى.
والآن، ورغم طرد التنظيم من طوز خورماتو، إلا أن الجدران ما زالت قائمة في القضاء المتلون بكل الطوائف والقوميات العراقية وغير المستقر.
توترات ثم نزوح
فبعد أن توحد العرب السنة والتركمان الشيعة والأكراد في محاربة داعش، سرعان ما استأنفوا النظر إلى بعضهم بالعداء والشك، وفق ما يقوله مراقبون.
بدأت التوترات مرحلتها الجديدة في أيلول/ سبتمبر الماضي، بعد إجراء الأكراد استفتاء يدعو إلى الاستقلال. وعندما اجتاح الجيش العراقي مدينة كركوك، طرد التركمان قوات البيشمركة الكردية خارج طوز خورماتو وتولّوا إدارة القضاء.
وعندما تم طرد البيشمركة، فر عشرات آلاف الأكراد من أحيائهم.
وثارت اتهامات لمقاتلين تركمان وفصائل في الحشد الشعبي بحرق ونهب منازل المسؤولين الأكراد.
بلغت الأعمال العدائية أشدّها في تشرين الأول/ أكتوبر، عندما تبادل التركمان والأكراد القصف بقذائف المورتر والمدفعية على بعضهم البعض.
قُتل جراء الهجمات ما لا يقل عن 11 شخصا، وأصيب العشرات بجروح، وفقًا لمنظمة العفو الدولية.
وعلى إثر تلك الهجمات، غادر كاروان حبيب (32 عاما) وعائلته طوز خورماتو بعد سقوط "سبع قذائف هاون" على مركز القضاء، وهي المرة الثالثة الذي يشهد فيه القضاء هجوما بقذائف الهاون خلال أسبوعين.
يقول حبيب لموقع (ارفع صوتك)، وهو شاب كردي، "غادرنا خوفا من ردة الفعل، فبسبب الصراع بين الكرد والتركمان يدفع المواطنون الثمن".
في هذه الأثناء، سعت الحكومة في بغداد إلى طمأنة ما يقدر بـ35 ألف نازح كردي، بعد أن عينت قوات حكومية لحماية الأحياء الكردية.
لكن التوترات لا تزال عالية، خاصة بالقرب من الجدران، حيث من الممكن أن يؤدي عبور شخص ما بالخطأ عبرها إلى قتله بالرصاص مباشرة، من قبل المسلحين الذين يحتمون خلفها.
ويضيف كاروان الكردي أن ما يزيد الأمر سوءا تحوّل الصراع بين "مجاميع كردية مسلحة وفصائل الحشد الشيعي التركماني"، التي تتواجد في القضاء، من المواجهة "بواسطة الأسلحة المتوسطة والخفيفة إلى تبادل القصف بالهاونات".
بسبب البيشمركة
أما عبد الرحمن ياسين الجبوري، وهو من عرب طوز خورماتو، فقد استقر منذ خمس سنوات في بغداد، ويتهم "قوات البيشمركة الكردية"، بـ"بدء العداء".
يوضح عبد الرحمن لموقع (ارفع صوتك) "بعد 2003 عندما جاءت القوات الكردية لفرض سيطرتها على القضاء بدأت بمضايقة المواطنين التركمان والعرب"، مضيفا "كانت تسعى لإخلائها من المكونين".
وصل عبد الرحمن بغداد هاربا بعد اعتقاله لأكثر من مرة من قبل البيشمركة، بتهمة "الاشتباه"، ويقول "كانوا يعتقلونني لأسباب قومية ليس أكثر، ويطلقون سراحي في اليوم ذاته بعد إهانتي".
"الوضع أفضل"
مؤخرا، فرض الفوج الثالث التابع للواء الثالث ضمن قوات الرد السريع، سيطرته على القضاء، الذي يشهد "استقرارا أمنيا حذرا"، وفق ما يصف عضو مجلس النواب حسن توران.
يقول النائب توران وهو من المكون التركماني، "حاليا الوضع أفضل من قبل، لكن هناك فراغ إداري بسبب عدم تعيين قائممقام للقضاء"، حيث صوت مجلس قضاء طوز خورماتو على إقالة قائممقامه القديم دلال عبود، "لعدم حضوره جلسة الاستجواب، على إثر تحميله مسؤولية المشاكل التي يشهدها طوز خورماتو".
كما صوت بتعيين شخصية تركمانية وهو حسن زين العابدين لمنصب القائممقام.