نازحون أيزيدون في جبل سنجار /وكالة الصحافة الفرنسية
نازحون أيزيدون في جبل سنجار /وكالة الصحافة الفرنسية

علي عبد الأمير

مرت أربع سنوات على بدء واحد من فصول التطهير العرقي في التاريخ المعاصر، حين ارتكب تنظيم داعش العديد من الجرائم بحق عشرات الآلاف من الأيزديين.

وتحت لهيب صيف آب/أغسطس 2014 بدا جبل سنجار في أقصى شمالي غرب العراق ملاذاً من احتمالات القتل والسبي والاغتصاب.

اليوم في الجبل ذاته لا يزال الآلاف على الجبل وبين سفوحه، هاربين من المصير المرعب ذاته، رغم اندحار التنظيم الإرهابي، فـ"المنظمة الدولية للهجرة"، أكدت الشهر الماضي "ما زال الآلاف من السكان يخشون من مغادرة الجبل مُفضلين العيش في خيام على هضبة سنجار بدلاً من العودة إلى قراهم".

وباعتراف المنظمة الدولية "يصاحب إعادة بناء حياة العائلات القليلة التي اختارت العودة تحديات هائلة، حيث لا يمتلك الكثير منهم شيئاً على الإطلاق. فقد استنزفوا مدخراتهم ونهبت منازلهم ودمرت وفقدوا سبل كسب معيشتهم"، وهي حقائق يؤكدها الناشط الأيزيدي ممثل "مؤسسة البارزاني الخيرية" بير ديان لـ "ارفع صوتك":

*في جبل سنجار اليوم 2200 عائلة تتوزع بين 3 آلاف خيمة.

*الباقون في الجبل هم من أهالي سنجار والمناطق المحيطة بها التي استباحها داعش.

*يعيشون بلا ماء تقريبا على الرغم من حفر بعض الآبار الارتوازية من قبل منظمات إنسانية دولية.

*يعيشون بلا كهرباء حيث توقفت مولدات صغيرة كانت تمدّهم ببعض الطاقة اللازمة لإدامة الحياة.

*كانت الطرق على مساعدة اللاجئين سالكة حتى بدء الأزمة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، لتتوزعها اليوم أكثر من عشرين نقطة سيطرة مسلحة، ونزاع على السلطة في المنطقة.

*70 بالمئة من بيوتهم داخل مركز قضاء سنجار مدمرة كلياً يزيدها سوءاّ غياب التعويضات ومشاريع إعادة الاعمار، ما يجعل عودتهم صعبة للغاية.

*هناك نزاع كردي-كردي يعمق مأساة النازحين، فهناك طرف كردي عراقي يمثله "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، مقابل طرف كردي تركي يمثله "حزب العمال الكردستاني" بوجوده المسلح تحت ذريعة حماية الأيزديين.

*هناك نزاع إيزدي- إيزدي، يفاقم معاناة النازحين، فالسلطة يتقاسمها طرف مقرب من الكرد(القائمقام السابق محما خليل) وآخر مقرب من الحشد الشعبي (القائمقام الحالي فهد حامد).

*هناك خوف يسود بين النازحين من عودة داعش، حيث "الحدود مفتوحة بين العراق وسورية" وانتشار حقول الألغام حول سنجار والمناطق القريبة منها.

وهذه مؤشرات واقعية كان قد أكدها لموقعنا في وقت سابق، نازح إيزيدي يحب العودة إلى سنجار. لكنه لم يعد حتى الآن خشية نشوب صراعات سياسية بين القوى الموجودة على الأرض، هذا ما يقوله بير ديان موضحاً "لا نعلم ما سيحمله لنا المستقبل من أحداث. لذا البقاء في الجبل حاليا أفضل الخيارات".

المسؤول يستغيث!

وعلى الرغم من وجوده ممثلاً للسلطة التنفيذية ومدعوما من قبل القوى الأمنية المسيطرة على منطقة سنجار، إلا إن قائمقام سنجار الجديد، فهد حامد، يؤكد في اتصال مع موقع "ارفع صوتك" أن أوضاع مواطنيه تجعلهم يبدون "بشر من الدرجة الثالثة أو الرابعة وليس من الدرجة الثانية".

ويعتبر المسؤول التنفيذي حال النازحين حتى اليوم "إهانة للوجود الإنساني"، والموجودون في جبال سنجار "هناك 2100 عائلة في جبل سنجار، هم من الضعفاء يعيشون في خيم لا تحميهم من حر الصيف اللاهب وبرد الشتاء القاسي".

وتساءل حامد: "هل يعقل إن يعجز العالم عن توفير سبيل لإنقاذ آلاف البشر المسالمين الذين أصبحوا بين مطرقة داعش وسندان الإهمال والصراعات؟". 

  

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.